والعتاد، وأصحابُ شدةٍ في الحرب ﴿والأمر إِلَيْكِ فانظري مَاذَا تَأْمُرِينَ﴾ ؟ أي وأمرنا إليكِ فمرينا بما شئتِ نمتثل أمرك، وقولهم هذا دليلٌ على الطاعة المفرطة قال القرطبي: أخذتْ في حسن الأدب مع قومها ومشاورتهم في أمرها في كل ما يعرض لها، فراجعها الملأ بما يُقر عينها من إعلامهم إياها بالقوة والبأس، ثم سلّموا الأمر إلى نظرها، وهذه محاوة حسنة من الجيمع قال الحسن البصري: فوَّضوا أمرهم إلى عِلجةٍ يضطرب ثدياها، فلا قالوا لها ما قالوا كان هي أحزم منهم رأياً وأعلم ﴿قَالَتْ إِنَّ الملوك إِذَا دَخَلُواْ قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا﴾ أي إن عادة الملوك أنهم إذا استولوا على بلدةٍ عنوةً وقهراً خربوها ﴿وجعلوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَآ أَذِلَّةً﴾ أي أهانوا أشرافها وأذلوهم بالقتل والأسر والتشريد ﴿وكذلك يَفْعَلُونَ﴾ أي وهذه عادتهم وطريقتهم في كل بلدٍ يدخلونها قهراً، ثم عدلت إلى المهادنة والمسالمة فقالت ﴿وَإِنِّي مُرْسِلَةٌ إِلَيْهِمْ بِهَدِيَّةٍ فَنَاظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ المرسلون﴾ أي وإِني سأبعث إلأيه بهدية عظيمة تليقُ بمثله، فأنظر هل يقبلها أن يردُّها؟ قال قتادة: ما كان أعقلها في إسلامها وشركها!! علمتْ أن الهدية تقع موقعاً من الناس، وقال ابن عباس: قالت لقومها إن قبِلَ الهدية فهو ملك يريد الدنيا فقاتلوه، وإِن لم يقبلها فهو نبيٌ صادق فاتبعوه ﴿فَلَمَّا جَآءَ سُلَيْمَانَ قَالَ أَتُمِدُّونَنِ بِمَالٍ﴾ ؟ أي فلما جاء رسل بلقيس إلى سليمان بالهدية العظيمة قال منكراً عليهم: أتصانعونني بالمال والهدايا لأترككم على كفركم وملككم؟ ﴿فَمَآ آتَانِيَ الله خَيْرٌ مِّمَّآ آتَاكُمْ﴾ أي فما أعطاني الله من النبوة والمُلك والواسع خيرٌ مما أعطاكم من زينة الحياة فلا حاجة لي بهديتكم ﴿بَلْ أَنتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ أي أنتم تفرحون بالهدايا لأنكم أهل مفاخرةٍ ومكاثرة في الدنيا، ثم قال لرئيس الوفد ﴿ارجع إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُم بِجُنُودٍ لاَّ قِبَلَ لَهُمْ بِهَا﴾ أي ارجع إليهم بهديتهم فواللهِ لنأتينَّهم بجنودٍ لا طاقة لهم بمقابلتها، ولا قدرة لهم على مقاتلتها ﴿وَلَنُخْرِجَنَّهُم مِّنْهَآ أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ﴾ أي ولنخرجنهم من أرضهم ومملكتهم أذلاء حقيرين إن لم يأتوني مسلمين قال ابن عباس: لما رجعت رسلُ بلقيس إليها من عند سليمان وأخبروها الخبر قالت قد عرفت ما هذا بملك، وما لنا به طاقة، وبعثت إلى سليمان إني قادمة إليك بملوك قومي حتى أنظر ما أمرك، وما تدعو إليه من دينك ثم ارتحلْت إلى سليمان في اثني عشر ألف قائد ﴿قَالَ ياأيها الملأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ﴾ ؟ أي قال سليمان لأشراف من حضره من جنده: أيكم يأتيني بسريرها المرصَّع بالجواهر قبل أن تصل إليَّ مع قومها مسلمين؟ قال البيضاوي: أراد بذلك أن يريها بعض ما خصه الله به من العجائب، الدالة على عظيم القدرة، وصدقه في دعوى النبوة، ويختبر عقلها بأن ينكّر عرشها فينظر أتعرفه أم تنكره؟ ﴿قَالَ عِفْرِيتٌ مِّن الجن أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ﴾ أي قال ماردٌ من مردة الجنِّ: أنا أحضره إليك قبل أن تقوم من مجلس الحكم - وكان يجلس من الصبح إلى الظهر في كل يوم - وغرضُه أنه يأتيه به في أقل من نصف نهار ﴿وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ﴾ أي وإِني على حمله لقادرٌ، وأمينٌ على ما فيه من الجواهر والدُّر وغير ذلك ﴿قَالَ الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتاب أَنَاْ آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ﴾ قال المفسرون: