الرسول وكيدهم له وسيجازيهم عليه ﴿وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي السمآء والأرض إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ﴾ أي ليس من شيء في غاية الخفاء على الناس والغيبوبة عنهم إلا وقد علمه الله وأحاط به، وأثبته في اللوح المحفوظ عنده، فلا تخفى عليه سبحانه خافية قال ابن عباس: معناه ما من شيءٍ سرٌّ في السماوات والأرض أو علانية إلا وعند الله علمه ﴿إِنَّ هذا القرآن يَقُصُّ على بني إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الذي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ لما ذكر تعالى أمر المبدأ والمعاد والنبوة، وكان القرآن من أعظم الدلائل والبراهين على صدق محمد وصدق ما جاء به، أعقبه هنا بذكر القرآن المجيد وذكر أوصافه والمعنى: إن هذا القرآن المنزَّل على خاتم الرسل لهو الكتاب الحق الذي يبين لأهل اكلتاب ما اختلفوا فيه من أمر الدين، ومن جملته اختلافهم في أمر المسيح وتفرقُهم فيه فرقاً كثيرة حتى لعن بعضهم بعضاً، فلو كانوا منصفين لأسلموا، لأن القرآن جاءهم بالرأي الساطع، والخبر القاطع ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤمِنِينَ﴾ أي وإِنه لهداية لقلوب المؤمنين من الضلالة، ورحمة لهم من العذاب، قال القرطبي: وإِنما خصَّ المؤمنين بالذكر لأنهم المنتفعون به ﴿إِن رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُم بِحُكْمِهِ﴾ أي إن ربك يا محمد يفصل بين بني إسرائيل يوم القيامة بحكمه العادل، وقضائه المبرم، فيجازي المحقَّ والمبطل ﴿وَهُوَ العزيز﴾ أي المنيع الغالب الذي لا يُردُّ أمره ﴿العليم﴾ أي العليم بأفعال العباد فلا يخفى عليه شيء منهم ﴿فَتَوَكَّلْ عَلَى الله﴾ أي فوِّضْ إليه أمرك، واعتمد عليه في جميع شئونك فإنه ناصرك ﴿إِنَّكَ عَلَى الحق المبين﴾ أي إنك يا محمد على الدين الحق، الواضح المنير، فالعاقبة لك بالنصر على الكفار ﴿إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الموتى﴾ أي لا تُسمع الكفار لتركهم التدبر والاعتبار، فهم كالموتى لا حسَّ لهم ولا عقل ﴿وَلاَ تُسْمِعُ الصم الدعآء إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ﴾ أي ولا تُسمعهم دعاءَك ونداءك إِذا ذكَّرتهم بالله أو دعوتهم إلى الإِيمان، لأنهم كالصُّم الذين في آذانهم وقرٌ، فلا يستجيبون الدعاء، لا سيما إذا تولَّوا عنك معرضين، فإِن الأصمَّ إذا تولى مدبراً ثم ناديته كان أبعد عن السماعحيث انضمَّ إلى صممه بُعدُ المسافة ﴿وَمَآ أَنتَ بِهَادِي العمي عَن ضَلالَتِهِمْ﴾ أي وليس بوسعك يا محمد أن تصرف عُمي القلوب عن كفرهم وضلالهم ﴿إِن تُسْمِعُ إِلاَّ مَن يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُم مُّسْلِمُونَ﴾ أي ما تُسمع - سماع تدبر وإِفهام - إلا المؤمنين، ولا يستجيب لدعوتك إلاّ أهل الإيمان، وهم الذين انقادوا وأسلموا وجوههَم للرحمن.
. شبَّه من لا يسمع ولا يعقل بالموتى في أنهم لا يسمعون وإن كانوا أحياء، ثم شبههم ثانياً بالصم وبالعُمي وإِن كانوا سليمي الحواس، وأكَّد عدم سماعهم بقوله ﴿إِذَا وَلَّوْاْ مُدْبِرِينَ﴾ لأن الأصمَّ، وكالعُمي، لا يفهمون ولا يسمعون ولا يبصرون، ولا يلتفتون إلى شيء من الدلائل الكونية، أو الآيات القرآنية ﴿وَإِذَا وَقَعَ القول عَلَيْهِم﴾ هذا بيان لما يكون بين يدي الساعة أي وإِذا قَرُبَ نزول العذاب وقيام الساعة، وحان وقت عذاب الكفار ﴿أَخْرَجْنَا لَهُمْ دَآبَّةً مِّنَ الأرض تُكَلِّمُهُمْ أَنَّ الناس كَانُوا بِآيَاتِنَا لاَ يُوقِنُونَ﴾ أي أخرجنا للكفار هذه الآية الكبيرة «دابة الأرض» تكلم الناس وتناظرهم وتقول من جملة كلامها: ألا لعنةُ الله على الظالمين، الذين لا يصدّقون ولا يؤمنون بآيات


الصفحة التالية
Icon