تسير سيراً سريعاً كالسحاب قال الإِمام الفخر: ووجه حسبانهم أنها جامدة أن الأجسام الكبار إذا تحركت سريعة على نهجٍ واحد ظنَّ الناظر إليها أنها واقفة مع أنها تمر مراً سريعاً ﴿صُنْعَ الله الذي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾ أي ذلك صنعُ الله البديع، الذي أكحم كل شيء خلقه، وأودع فيه من الحكمة ما أودع ﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ أي هو عليم بما يفعل العباد من خير وشر، وسيجازيهم عليه أتم الجزاء.
. ثم بيَّن تعالى حال السعداء والأشقياء في ذلك اليوم الرهيب فقال ﴿مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ أي من جاء يوم القيامة بحسنةٍ من الحسنات، فإِن الله يضاعفها له إلى عشر حسنات، ويعطيه بالعمل القليل الثواب الأبدي ﴿وَهُمْ مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ﴾ أي وهم من خوف ذلك اليوم العصيب آمنون كما قال تعالى ﴿لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر﴾ [الأنبياء: ١٠٣] ﴿وَمَن جَآءَ بالسيئة فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النار﴾ قال ابن عباس: لاسيئة: الإِشراك بالله أي ومن جاء يوم القيامة مسيئاً لا حسنة له أو مشركاً بالله فإِنه يكبُّ في جهنم على وجهه منكوساً، ويُلقى فيها مقلوباً ﴿هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاَّ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ أي يقال لهم توبيخاً: هل تُجزون إلا جزاء ما كنتم تعملون في الدنيا من سيء الأعمال؟ ﴿إِنَّمَآ أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هَذِهِ البلدة الذي حَرَّمَهَا﴾ أي قل لهم يا محمد: لقد أُمرت أن أخصَّ الله وحده بالعبادة ربَّ لابلد الأمين الذي جعل مكة حرماً آمناً لا يُسفك فيها دم، ولا يُظلم فيها أحد، ولا يصاد صيدها ولا يُختلى خلاها كما جاء في الحديث الصحيح ﴿وَلَهُ كُلُّ شَيءٍ﴾ أي هو تعالى الالق والمالك لكل شيء فهو رب كل شيء ومليكه ﴿وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ المسلمين﴾ أي وأُمرتُ أن أكون من المخلصين لله بالتوحيد، المنقادين لأمره، المستسلمين لحكمه ﴿وَأَنْ أَتْلُوَ القرآن﴾ أي أُمرتُ أيضاً بتلاوة القرآن لتنكشف لي حقائقه الرائعة، وأن أقرأه على الناس ﴿فَمَنِ اهتدى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ﴾ أي فمن اهتدى بالقرآن، واستنار قلبه بالإِيمان، فإِن ثمرة هدايته راجعة إليه ﴿وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ مِنَ المنذرين﴾ أي ومن ضلَّ عن طريق الهدى، فوبالُ ضلاله مختص به، إذْ ما على الرسول إلا البلاغ وقد بلغتكم رسالة الله ﴿وَقُلِ الحمد للَّهِ﴾ أي قل يا محمد: الحمد لله على ما خصني به من شرف النبوة والرسالة، وما أكرمني من رفيع المنزلة والمقام ﴿سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا﴾ تهديد ووعيد أي سيريكم آياته الباهرة الدالة على عظيم قدرته وسلطانه في الأنفس والآفاق فتعرفونها حين لا تنفعكم المعرفة ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي وما ربك بغافل عن أعمال العباد بل هو على كل شيء شهيد، وفيه وعدٌ ووعيد.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الاستفهام الإِنكاري ﴿أَإِذَا كُنَّا تُرَاباً وَآبَآؤُنَآ أَإِنَّا لَمُخْرَجُونَ﴾ وتكرير الهمزة ﴿أَإِنَّا﴾ للمبالغة في التعجب والإِنكار.
٢ - الوعيد والتهديد ﴿قُلْ سِيرُواْ فِي الأرض فَاْنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المجرمين﴾.
٣ - التأكيد بإِن واللام ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو فَضْلٍ﴾ ﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَعْلَمُ﴾ ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى﴾.
٤ - الطباق ﴿مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ لأن معنى ﴿تُكِنُّ﴾ تخفي.


الصفحة التالية
Icon