لأنها كانت تمشي على ساحل البحر حتى وصل الصندوق إلى بيت فرعون وهي ترقبه مستخفيةً عنهم ﴿وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ المراضع مِن قَبْلُ﴾ أي ومنعنا موسى أن يقبل ثدي اي مرضعة من المرضعات اللاتي أحضروهن لإِرضاعه من قبل مجيء أُمه قال المفسرون: بقي أياماً كلما أُتي بمرضع لم يقبل ثديها، فأهمهم ذلك واشتد عليهم الأمر فخرجوا به يبحثون له عن مرضعة خارج القصر فرأوا أخته ﴿فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ على أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ﴾ أي هل أدلكم على مرضعة له تكفله وترعاه؟ ﴿وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ﴾ أي لا يقصرون في إرضاعه وتربيته قال السدي: فدلتهم على أم موسى فانطلقت إليها بأمرهم فجاءت بها، والصبي على يد فرعون يعلله شفقة عليه وهو يبكي يطلب الرضاع، فدفعه إليها فلما وجد ريح أُمه قبل ثديها، فقال فرعون: من أنت منه فقد أبى كل هديٍ إلا ثديك؟ فقالت: إني امرأة طيبة الريح، طيبة اللبن، لا أكاد أوتى بصبي إلا قبلني فدفعه إليها، فرجعت إلى بيتها من يومها ولم يبق أحدٌ من آل فرعون إلا أهدى إليها وأتحفها بالهدايا والجواهر فذلك قوله تعالى ﴿فَرَدَدْنَاهُ إلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ﴾ أي أعدناه إليها تحقيقاً للوعد كي تسعد وتهنأ بلقائه ولا تحزن على فراقه ﴿وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي ولتتحقق من صدق وعد الله برده عليها وحفظه من شر فرعون ﴿ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي ولكن أَكثر الناس يرتابون ويشكون في وعد الله القاطع ﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ واستوى﴾ أي ولما بلغ كمال الرشد، ونهاية القوة، وتمام العقل والاعتدال قال مجاهد: هو سنُّ الأربعين ﴿آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً﴾ أي أعطيناه الفهم والعلم والتفقه في الدين مع النبُوَّة ﴿وَكَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين﴾ أي مثل هذا الجزاء الكريم نجازي المحسنين على إحسانهم ﴿وَدَخَلَ المدينة على حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا﴾ أي دخل مصر وقت الظهيرة والناس يخلدون للراحة عند القيلولة ﴿فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هذا مِن شِيعَتِهِ وهذا مِنْ عَدُوِّهِ﴾ أي فوجد شخصين يتقاتلان: أحدهما من بني إسرائيل من جماعة موسى، والآخر قبطي من جماعة فرعون ﴿فاستغاثه الذي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الذي مِنْ عَدُوِّهِ﴾ أي فاستنجد الإِسرائيلي بموسى وطلب غوثه ليدفع عنه شر القبطي ﴿فَوَكَزَهُ موسى فقضى عَلَيْهِ﴾ أي ضربه موسى بجمع كفه فقتله، قال القرطبي: فعل موسى ذلك وهو لا يريد قتله إنما قصد دفعه فكانت فيه نفسه وكانت القاضية ﴿قَالَ هذا مِنْ عَمَلِ الشيطان﴾ أي هذا من إغواء الشيطان فهو الذي هيَّج غضبي حتى ضربت هذا ﴿إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ﴾ أي إن الشيطان عدوٌ لابن آدم على فعله ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فاغفر لِي﴾ أي إني ظلمت نفسي بقتل النفس فاعف عني ولا تؤاخذني بخطيئتي ﴿فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الغفور الرحيم﴾ أي إنه تعالى المبالغ في المغفرة للعباد، الواسع الرحمة لهم ﴿قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ﴾ أي بسبب إنعامك عليَّ بالقوة وبحق ما أكرمتني به من الجاه والعز، فلن أكون عوناً لأحد من المجرمين، وهذه معاهدة عاهد