المنَاسَبَة: لا تزال الآيات تتحدث عن قصة موسى، وقد تناولت الآيات السابقة قصة ولادته وإرضاعه، وتربيته في بيت فرعون إلى أن شبَّ وبلغ سنَّ الرشد والكمال، ثم قتله للفرعوني، وتتحدث الآيات هنا عن هجرته إلى أرض مدين وتزوجه بابنة شعيب، ثم عودته إلى مصر، ونزول النبوة عليه، وهلاك فرعون على يديه.
اللغَة: ﴿يَأْتَمِرُونَ﴾ يتشاورون قال الأزهري: ائتمر القوم وتآمروا أي أمر بعضهم بعضاً ﴿تَذُودَانِ﴾ ذاد يذود إذا حبس ومنع، طرد قال الشاعر:

لقد سلبت عصاك بنو تميم فما تدري بأي عصى تذود
﴿خَطْبُكُمَا﴾ الخطب: الشأن قال رؤية: «يا عجباً ما خطبه وخطبي» ﴿الرعآء﴾ جمع راعٍ مثل صاحب وصحاب وهو الذي يرعى الغنم ﴿حِجَجٍ﴾ جمع حجة بكسر الحاء وهي السنة ﴿جَذْوَةٍ﴾ الجذوة: الجمرة الملتهبة ﴿رِدْءاً﴾ عوناً قال الجوهري: أرادأتُه أعنته، وكنتُ له ردءاً أي عوناً ﴿المقبوحين﴾ الهالكين المبعدين أو القبيحين في الصورة يقال: قَبَّحه إذا جعله قبيحاً.
التفسِير: ﴿وَجَآءَ رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى المدينة يسعى﴾ أي وجاء رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه من أبعد أطراف المدينة يشتد ويسرع في مشيه قال ابن عباس: هذا الرجل هو مؤمن من آل فرعون ﴿قَالَ ياموسى إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ أي قال له موسى: إن أشراف فرعون، ووجوه دولته يتشاورون فيك بقصد قتلك ﴿فاخرج إِنِّي لَكَ مِنَ الناصحين﴾ أي فاخرج قبل أن يدركوك فأنا ناصحٌ لك من الناصحين ﴿فَخَرَجَ مِنْهَا خَآئِفاً يَتَرَقَّبُ﴾ أي فخرج من مصر خائفاً على نفسه يترقب وينتظر الطلب أن يدركه فيأخذه، ثم التجأ إلى الله سبحانه بالدعاء لعلمه بأنه لا ملجأ سواه ﴿قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ القوم الظالمين﴾ أي خلصني من الكافرين واحفظني من شرهم - والمراد بهم فرعون وملؤُه - ﴿وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَآءَ مَدْيَنَ﴾ أي قصد بوجهه ناحية مدين وهي بلدة شعيب عليه السلام ﴿قَالَ عسى ربي أَن يَهْدِيَنِي سَوَآءَ السبيل﴾ أي لعل الله يرشدني إلى الطريق السوي الذي يوصلني إلى مقصودي قال المفسرون: خرج خائفاً بغير زاد ولا ظهر - مركب - وكان بين مصر ومدين مسيرةُ ثمانية أيام، ولم يكن له علمٌ بالطريق سوى حسن ظنه بربه، فبعث الله إليه ملكاً فأرشده إلى الطريق، ويروى أنه لما وصل مدين كانت خضرةُ البقل تتراءى من بطنه من الهزال، لأنه كان في الطريق يتقوت ورق الشجر ﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَآءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ الناس يَسْقُونَ﴾ أي ولما وصل إلى مدين بلدة شعيب وجد على البئر الذي يستقي منه الرعاة جمعاً كثيفاً من الناس يسقون مواشيهم ﴿وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امرأتين تَذُودَانِ﴾ أي ووجد سوى الجماعة الرعاة امرأتين تكفَّان غنمهما عن الماء {قَالَ مَا


الصفحة التالية
Icon