في المشقة باشتراط العشر ﴿سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ أي ستجدني إن شاء الله حسن المعاملة، ليِّن الجانب، وفيأ بالعهد قال القرطبي: في الآية عرضُ الوليّ ابنته على الرجل، وهذه سُنة قائمة، عرض شعيب ابنته على موسى، وعرض عمر ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان، وعرضت الموهوبة نفسها على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فمن الحُسْن عرض الرجل وليته على الرجل الصالح، اقتداءً بالسلف الصالح ﴿قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأجلين قَضَيْتُ فَلاَ عُدْوَانَ عَلَيَّ﴾ أي قال موسى: إنَّ ما قلته وعاهدتني عليه قائم بيننا جميعاً لا نخرج عنه، وأيَّ المدتين الثماني أو العشر أديتها لك فلا إثم ولا حرج عليَّ ﴿والله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ أي والله شاهد على ما تعاهدنا وتواثقنا عليه ﴿فَلَمَّا قضى مُوسَى الأجل﴾ أي فلما أتم موسى المدة التي اتفقا عليها قال ابن عباس: قضى أتم الأجلين وأكملهما وأوفاهما وهو عشر سنين ﴿وَسَارَ بِأَهْلِهِ﴾ أي ومشى بزوجته مسافراً بها إلى مصر ﴿آنَسَ مِن جَانِبِ الطور نَاراً﴾ أي أبصر من بعيد ناراً تتوهج من جانب جبل الطور ﴿قَالَ لأَهْلِهِ امكثوا إني آنَسْتُ نَاراً﴾ أي قال لزوجته امكثي هنا فقد أبصرت ناراص عن بعد قال لامفسرون: كانت ليلةً باردة وقد أضلوا الطريق، وهبَّت ريح شديدة فرقت ماشيته، وأخذ أهله لاطلق فعند ذلك أبصر ناراً بعيدة فسار إليها لعله يجد من يدله على لاطريق فذلك قوله تعالى ﴿لعلي آتِيكُمْ مِّنْهَا بِخَبَرٍ﴾ أي لعلي آتيكم بخيبر الطريق وأرى من يدلني عليه ﴿أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النار لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ﴾ أي أو آتيكم بشعلة من النار لعلكم تستدفئون بها ﴿فَلَمَّآ أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِىءِ الوادي الأيمن فِي البقعة المباركة مِنَ الشجرة﴾ أي فلما وصل إلى مكان النار لم يجدها ناراً وإنما وجدها نوراً، وجاءه النداء من جانب الوادي الأيمن في ذلك المكان المبارك من ناحية الشجرة ﴿أَن ياموسى إني أَنَا الله رَبُّ العالمين﴾ اي نودي يا موسى إأن الذي يخاطبك ويكلمك هو أنا الله العظيم الكبير، المنزه عن صفات النقص، ربُّ الإِنس والجن والخلائق أجمعين ﴿وَأَنْ أَلْقِ عَصَاكَ﴾ أي ونودي بأن اطرح عصاك التي في يدك ﴿فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ ولى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ﴾ أي فألقاها فانقلبت إلى حيّة فلما رآها تتحرك كأنها ثعبان خفيف سريع الحركة انهزم هارباً منها ولم يلتفت إليها قال ابن كثير: انقلبت العصى إلى حية وكانت كأنها جانٌّ في حركتها السَريعة مع عِطِم خلقتها، واتساع فمها، واصطكاك أنيابها بحيث لا تمر بصخرة إلا ابتلعتها تنحدر في فمها تتقعقع كأنها حادرة في واد، فعند ذلك ولَّى مدبراً ولم يلتفت، لأن طبع البشرية ينفر من ذلك {ياموسى أَقْبِلْ وَلاَ تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ


الصفحة التالية
Icon