تكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة ﴿إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ الظالمون﴾ أي لا يسعد ولا ينجح من كان ظالماً فاجراً، كاذباً على الله ﴿وَقَالَ فِرْعَوْنُ ياأيها الملأ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرِي﴾ أي قال فرعون لأشراف قومه وسادتهم: ما علمتُ لكم إليهاً غيري قال ابن عباس: كان بين هذه القولة الفاجرة وبين قوله ﴿أَنَاْ رَبُّكُمُ الأعلى﴾ [النازعات: ٢٤] أربعون سنة، وكذب عدوُّ الله بل علم أن له رباً هو خالقه وخالق قومه ﴿فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين فاجعل لِّي صَرْحاً﴾ أي فاطبخ لي يا هامان الآجر فاجعل لي منه قصراً شامخاً رفيعاً ﴿لعلي أَطَّلِعُ إلى إله موسى﴾ أي لعلي أرى وأشاهد إله موسى الذي زعم أنه أرسله، قال ذلك على سبيل التهكم ولهذا قال بعده ﴿وَإِنِّي لأَظُنُّهُ مِنَ الكاذبين﴾ أي وإني لأظن موسى كاذباً ف يادعائه أن في السماء رباً قال تعالى ﴿واستكبر هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾ أي وتكبر وتعظم فرعون وقومه عن الإِيمان بموسى في أرض مصر بالباطل والظلم ﴿وظنوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لاَ يُرْجَعُونَ﴾ أي واعتقدوا أن لا بعث ولا نشور، ولا حساب ولا جزاء ﴿فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي اليم﴾ أي فأخذناه مع جنوده فطرحناهم في البحر، وأغرقناهم فلم يبق منهم أحد ﴿فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظالمين﴾ أي فانظر يا محمد بعين قلبك نظر اعتبار كيف كان مآل هؤلاء الظالمين الذين بلغوا من الكفر والطغيان أقصى الغايات؟ ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار﴾ أي وجعلناهم في الدنيا قادة وزعماء في الكفر يقتدي بهم أهلُ الضلال ﴿وَيَوْمَ القيامة لاَ يُنصَرُونَ﴾ أي ويوم القيامة ليس لهم ناصر يدفع عنهم العذاب ﴿وَأَتْبَعْنَاهُم فِي هَذِهِ الدنيا لَعْنَةً﴾ أي جعلنا اللغنة تلحقهم في هذه الحياة الدنيا من الله والملائكة والمؤمنين ﴿وَيَوْمَ القِيَامَةِ هُمْ مِّنَ المقبوحين﴾ أي وفي الآخرة هم من المبعدين المطرودين من رحمة الله عَزَّ وَجَلَّ.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التأكيد بإِنَّ واللام ﴿إِنَّ الملأ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ﴾ مناسبةً لمقتضى الحال.
٢ - الاستعطاف والترحم ﴿رَبِّ إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿وَقَصَّ عَلَيْهِ القصص﴾.
٤ - التشبيه المرسل المجمل ﴿تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَآنٌّ﴾ حذف وجه الشبه فأصبح مجملاً.
٥ - الطباق بين ﴿يُصَدِّقُنِي.. ويُكَذِّبُونِ﴾.
٦ - الكناية ﴿واضمم إِلَيْكَ جَنَاحَكَ﴾ كنى عن اليد بالجناح، لأنها للإنسان كالجناح للطائر.
٧ - المجاز المرسل ﴿سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ﴾ من إطلاق السبب وإرادة المسبب لأن شد العضد يستلزم شد اليد، وشد اليد مستلزم للقوة، قال الشهاب، ويمكن أن يكون من باب الاستعارة التمثيلية، شبه حال موسى في تقويته بأخيه بحال اليد في تقويتها بيد شديدة.
لطيفَة: قال الزمخشري: إنما ﴿فَأَوْقِدْ لِي ياهامان عَلَى الطين﴾ أي أوقد لي النار فأتخذ منه آجراً ولم يقل «أطبخ لي الآجر» لأن هذه العبارة أحسن طباقاً لفصاحة القرآن وعلو طبقته، وأشبه بكلام الجبابرة، وهامان وزيره ومدبّر رعيته.