المنَاسَبَة: بعد أن ذكر تعالى نعمته على بني إسرائيل بإهلاك فرعون رأس الطغيان وتخليصهم من شره، ذكر هنا ما أنعم عليهم من إنزال التوراه التي فيها الهدى والنور، كما ذكر نعمته على العرب بإنزال القرآن العظيم خاتمة الكتب السماوية.
اللغَة: ﴿ثَاوِياً﴾ مقيماً وثوى بالمكان أقام به قال الشاعر:
«لقد كان في حولٍ ثواءٌ ثويته»... ﴿يَدْرَؤُنَ﴾ يدفعون، والدرءُ: الدفع وفي الحديث «ادرءوا الحدود بالشبهات» ﴿يجبى﴾ يجمع، جبى الماء في الحوض جمعه، والجابية: الحوض العظيم ﴿بَطِرَتْ﴾ البطر: الطغيان في النعمة ﴿الأنبآء﴾ الأخبار جمع نبأ وهو الخبر الهام.
سَبَبُ النّزول: لما حضرت أبا طالبٍ الوفاة قال له رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ: يا عم قل «لا إله إلا الله» أشهد لك بها يوم القيامة أبو طالب: لولا أن تعيرني قريش يقولون: إنما حمله على ذلك الجزع لأقررت بها عينك فأنزل الله عَزَّ وَجَلَّ ﴿إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ولكن الله يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بالمهتدين﴾.
التفسِير: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الكتاب مِن بَعْدِ مَآ أَهْلَكْنَا القرون الأولى﴾ اللام موطئة للقسم أي والله لقد أعطينا موسى التوراة من بعد ما أهلكنا الأمم التي كانت قبله كقوم نوحٍ وعادٍ وثمود وقوم لوطٍ وغيرهم من المكذبين لرسلهم ﴿بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ﴾ أي ضياءً لبني إسرائيل ونوراً لقلوبهم يتبصرون بها الحقائق، ويميزون بها بين الحق والباطل ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ أي وهدى من الضلالة، ورحمة لمن آمن بها ليتعظوا بما فيها من المواعظ والإِرشادات الإِلهية ﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الغربي﴾ أي وما كنت يا محمد بجانب الجبل الغربي، وهو المكان الذي كلّم الله تعالى به موسى ﴿إِذْ قَضَيْنَآ إلى مُوسَى الأمر﴾ أي حين أوحينا إلى موسى بالنبوة وأرسلناه إلى فرعون وقومه ﴿وَمَا كنتَ مِنَ الشاهدين﴾ أي وما كنت من الحاضرين في ذلك المكان، ولكن الله أوحى إليك ذلك ليكون حجة وبرهاناً على صدقك قال ابن كثير: يقول تعالى منبهاً على برهان نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حيث أخبر بالغيوب الماضية خبراً كأنَّ سامعه شاهد وراء لما تقدَّم، وهو رجل أُميّ لا يقرأ شيئاً من الكتب، نشأ بين قوم لا يعرفون شيئاً من ذلك، والمعنى ما كنتَ حاضراً لذلك ولكنَّ الله أوحاه شيئاً من الكتب، نشأ بين قوم لا يعرفون شيئاً من ذلك، والمعنى ما كنتَ حاضراً لذلك ولكنَّ الله أوحاه إليك لتخبرهم بتلك المغيبات ﴿وَلَكِنَّآ أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ العمر﴾ أي ولكنَّنا خلقنا أُمماً وأجيالاً من بعد موسى، فتطاول عليهم الزمان، وطالت الفترة فنسوا ذكر الله، وبدَّلوا وحرفوا الشرائع فأرسلناك يا محمد لتجدّد أمر الدين قال أبو السعود: المعنى ولكنا خلقنا بين زمانك وزمان موسى فروناً كصيرة، فتمادى عليهم الأمر، فتغيرت الشرائع والأحكام، وعميت عليهم الأنباء فأوحينا إليك، فحذف المستدرك اكتفاءً بذكر الموجب ﴿وَمَا كُنتَ ثَاوِياً في أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا﴾ أي وما كنتَ يا محمد


الصفحة التالية
Icon