كفرتم بهذين الكتابين مع ما تضمنا من الرائع والأحكام ومكارم الأخلاق فائتوني بكتاب منزلٍ من عند الله أهدى منهما وأصلح أَتمسك به ﴿إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي في انهما سحران قال ابن كثير: وقد عُلم بالضرورة لذوي الألباب ان الله تعالى لم ينزل كتاباً من السماء أكمل ولا أشمل ولا أفصح ولا أعظم من الكتاب الذي أنزله على محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وهو القرآن، وبعده في الشرف والعظمة الكتاب الذي أنزله على موسى، وهو الكتاب الذي قال فيه
﴿إِنَّآ أَنزَلْنَا التوراة فِيهَا هُدًى وَنُورٌ﴾ [المائدة: ٤٤] والإِنجيلُ إنما أُنزل متمماً للتوراة ومُحلاً لبعض ما حُرم على بني إسرائيل ﴿فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكَ فاعلم أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَآءَهُمْ﴾ أي فإن لم يجيبوك إلى ما طلبته منهم فاعلم أن طفرهم عنادٌ واتباع للأهواء لا بحجةٍ وبرهان ﴿وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتبع هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ الله﴾ أي لا أحد أضلُّ ممن اتبع هواه بغير رشادٍ ولا بيانٍ من الله ﴿إِنَّ الله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين﴾ أي لا يوفق للحق من كان معانداً ظالماً، بالانهماك في اتباع الهوى، والإِعراض عن سبيل الهدى ﴿وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ القول لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾ أي ولقد تابعنا ووالينا لقريش القرآن يتبع بعضُه بعضاً، وعداً ووعيداً، وقصصاً وعبراً، ونصائح ومواعظ ليتعظوا ويتذكروا بما فيه قال ابن الجوزي: المعنى أنزلنا القرآن يتبع بعضُه بعضاً، ويخبر عن الأمم الخالية كيف عُذبوا لعلهم يتعظون ﴿الذين آتَيْنَاهُمُ الكتاب مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ﴾ أي الذين أعطيناهم التوراة والإِنجيل من قبل هذا القرآن - من مسلمي أهل الكتاب - هم بهذا القرآن يصدقون قال ابن عباس: يعني من آمن بمحمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من أهل الكتاب ﴿وَإِذَا يتلى عَلَيْهِمْ قالوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الحق مِن رَّبِّنَآ﴾ أي وإذا قرئ عليهم القرآن قالوا صدقنا بما فيه ﴿إنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ﴾ أي كنا من قبل نزوله موحدين لله، مستسلمين لأمره، مؤمنين بأنه سيبعث محمد ونيزل عليه القرآن قال تعالى ﴿أولئك يُؤْتُونَ أَجْرَهُم مَّرَّتَيْنِ﴾ أي أولئك الموصوفون بالصفات الجميلة يعطون ثوابهم مضاعفاً، مرة على إيمانهم بكتابهم، ومرةً على إيمانهم بالقرآن وفي الحديث
«ثلاثة يُؤْتون أجرهم مرتين: رجل من أهل الكتاب آمن بنبيّه ثم آمن بي..» الحديث ﴿بِمَا صَبَرُواْ﴾ أي بسبب صبرهم على اتباع الحقِّ، وتحملهم الأذى في سبيل الله قال قتادة: نزلت في أناسٍ من أهل الكتاب، كانوا على شريعةٍ من الحق يأخذون بها وينتهون إليها، حتى بعث الله محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فآمنوا به وصدَّقوه، فأعطاهم الله أجرهم مرتين بما صبروا، وذُكر أن منهم سلمان وعبد الله بن سلام ﴿وَيَدْرَؤُنَ بالحسنة السيئة﴾ أي ويدفعون الكلام القبيح كالسب والشتم بالحسنة أي الكلمة الطيبة الجميلة قال ابن كثير: لا يقابلون السيء بمثله ولكن يعفون ويصفحون ﴿وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ﴾ أي ومن الذي رزقناهم من الحلال ينفقون في سبيل الخير ﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ﴾ أي وإذا سمعوا الشتم والأذى من الكفار وسمعوا ساقط الكلام، لم يلتفتوا إليه ولم يردُّوا على أصحابه ﴿وَقَالُواْ لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ أي لنا طريقنا ولكم طريقكم ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ﴾ أي سلام متاركة ومباعدة قال