أي ويم يناديهم الله ويسألهم: ماذا أجبتم رسلي؟ هل صدقتموهم أم كذبتموهم؟ ﴿فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الأنبآء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لاَ يَتَسَآءَلُونَ﴾ أي فخفيت عليهم الحجج، وأظلمت عليهم الأمور، فلم يعرفوا ما يقولون، فهم حيارى واجمون، لا يسأل بعضهم بعضاً عن الجواب لفرط الدهشة والحيرة ﴿فَأَمَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فعسى أَن يَكُونَ مِنَ المفلحين﴾ أي فأمّا من تاب من الشرك، وجمع بين الإِيمان والعمل الصالح فعسى أنيكون من الفائزين بجنات النعيم قال الصاوي: والترجي في القرآن بمنزلة التحقق، لأنه وعد كريم من ربٍّ رحيم، ومن شأنه تعالى أنه لا يخلف وعده ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَيَخْتَارُ﴾ أي هو تعالى الخالق المتصرف، يخلق ما يشاء ويفعل ما يريد، فلا اعتراض لأحدٍ على حكمه قال مقاتل: نزلت في «الوليد بن المغيرة» حين قال
﴿لَوْلاَ نُزِّلَ هذا القرآن على رَجُلٍ مِّنَ القريتين عَظِيمٍ﴾ [الزخرف: ٣١] ﴿مَا كَانَ لَهُمُ الخيرة﴾ أي مان أحدٍ من العباد اختيار، إنما الاختيار والإِرادة لله وحده ﴿سُبْحَانَ الله وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ أي تنزَّه الله العظيم الجليل وتقدس أن ينازعه أحدٌ في ملكه، أو يشاركه في اختياره وحكمته قال القرطبي: المعنى وربك يخلق ما يشاء من خلقه، ويختار من يشاء لنبوته، والخيرة له تعالى في أفعاله، وهو أعلم بوجوه الحكمة، فليس لأحدٍ من خلقه أن يختار عليه ﴿وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ﴾ أي هو تعالى العالم بما تخفيه قلوبهم من الكفر والعداوة للرسول والمؤمنين، وما يظهرونه على ألسنتهم من الطعن في شخص رسوله الكريم حيث يقولون: ما أنزل الله الوحي إلا على يتيم أبي طالب! ﴿وَهُوَ الله لا إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي هو جل وعلا اللهُ المستحقُ للعبادة، لا أحد يستحقها إلا هو ﴿لَهُ الحمد فِي الأولى والآخرة﴾ أي له الثناء الكامل في الدنيا والفصل بين العباد ﴿وَلَهُ الحكم﴾ أي وله القضاء النافذ والفصل بين العباد ﴿وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي إليه وحده مرجع الخلائق يوم القيامة، فيجازي كل عاملٍ بعمله.
البَلاَغَة: تضمنت الآياتُ الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التشبيه البليغ ﴿بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ﴾ أي أعطيناه التوراة كأنها أنوار لقلوب الناس، حذف أداة الشبه ووجه الشبه فأصبح بليغاً قال في حاشية البيضاوي: أي مشبهاً بأنوار القلوب من حيث إن القلوب لو كانت خالية عن أنوار التوراة وعلومها لكانت عمياء لا تستبصر، ولا تعرف حقاً من باطل.
٢ - المجاز العقلي ﴿أَنشَأْنَا قُرُوناً﴾ المرادبه الأمم لأنهم يخلقون في تلك الأزمنة فنسب إلأى القرون بطريق المجاز العقلي.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ﴾.
٤ - المجاز المرسل ﴿بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ﴾ والمراد بما كسبواوهو من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل قال الزمخشري: ولما كانت أكثر الأعمال تزاول بالأيدي جعل كل عمل معبراً عنه باجتراح الأيدي.