الفراء: وهذا استثناء منقطع والمعنىإلا أنّ ربك رحمك فأنزله عليك ﴿فَلاَ تَكُونَنَّ ظَهيراً لِّلْكَافِرِينَ﴾ أي لا تكن عوناً لهم على دينهم، ومساعداً لهم على ضلالهم، بالمداراة والمجاملة ولكن نابذهم وخالفهم قال المفسرون: دعا المشركون الرسول إلى دين آبائه، فأُمر بالتحرز منهم وأن يصدع بالحق، والخطابُ بهذا وأمثاله له عليه السلام، والمراد أمته لئلا يظاهروا الكفار ولا يوافقوهم ﴿وَلاَ يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ الله بَعْدَ إِذْ أُنزِلَتْ إِلَيْكَ﴾ أي ولا تلتفت إلى هؤلاء المشركين، ولا تركن إلى قولهم فيصدوك عن اتباع ما أنزل الله إليك من الآيات البينات ﴿وادع إلى رَبِّكَ﴾ أي وادع الناس إلى توحيد ربك وعبادته ﴿وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ المشركين﴾ أي بمسايرتهم على أهوائهم، فإن من رضي بطريقتهم كان منهم ﴿وَلاَ تَدْعُ مَعَ الله إلها آخَرَ﴾ أي لا تعبد إلهاً سوى الله ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا معبود بحقٍ إلا الله تعالى قال البيضاوي: وهذا وما قبله للتهييج وقطع أطماع المشركين عن مساعدته لهم ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ أي كل شيء يفنى وتبقى ذاتُه المقدسة، أطلق الوجه وأراد ذات الله جلَّ وعلا قال ابن كثير: وهذا إخبار بأنه تعالى الدائم الباقي، الحيُّ القيوم، الذي تموت الخلائق ولا يموت، فعبَّر بالوجه عن الذات كقوله
﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ويبقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجلال والإكرام﴾ [الرحمن: ٢٦ - ٢٧] ﴿لَهُ الحكم وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ أي له القضاء النافذ في الخلق، وإليه مرجعهم جميعاً يوم المعاد لا إلى أحدٍ سواه.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - التبكيت والتوبخ ﴿مَنْ إله غَيْرُ الله يَأْتِيكُمْ بِضِيَآءٍ﴾ ؟ ومثله ﴿يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ﴾ ؟.
٢ - اللَّف والنشر المرتب ﴿وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اليل والنهار﴾ جمع الليل والنهار ثم قال ﴿لِتَسْكُنُواْ فِيهِ وَلِتَبتَغُواْ مِن فَضْلِهِ﴾ فأعاد السكن إلى الليل، والابتغاء لطلب الرزق إلى النهار، ويسمى هذا عند علماء البديع اللف والنشر المرتب، لأن الأول عاد على الأول، والثاني عاد على الثاني وهو من المحسنات البديعية.
٣ - جناس الاشتقاق ﴿لاَ تَفْرَحْ.. الفرحين﴾ ومثله ﴿الفساد.. المفسدين﴾.
٤ - تأكيد الجملة ب ﴿إِنَّ﴾ و (اللام) ﴿إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ لأن السامع شاك ومتردّد.
٥ - الكناية ﴿تَمَنَّوْاْ مَكَانَهُ بالأمس﴾ كنَّى عن الزمن الماضي القريب بلفظ الأمس.
٦ - الطباق ﴿يَبْسُطُ الرزق.. وَيَقْدِرُ﴾.
٧ - المقابلة اللطيفة ﴿مَن جَآءَ بالحسنة فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا﴾ ﴿وَمَن جَآءَ بالسيئة فَلاَ يُجْزَى..﴾ الآية.
٨ - المجاز المرسل ﴿إِلاَّ وَجْهَهُ﴾ أطلق الجزء وأراد الكل أي ذاته المقدسة ففيه مجاز مرسل.
لطيفَة: قال بعض العلماء: من لم تشبعه القناعة لم يكفه ملك قارون وأنشدوا:
هي القناعة لا تبتغي بها بدلاً | فيها النعيم وفيها راحةُ البدن |
انظر لم ملك الدنيا بأجمعها | هل راح منها بغير القطن والكفن؟ |