حيث يقع التناكر ويتبرأ القادة من الأتباع ويلعن الأتباع القادة، لأن صداقتهم في الدنيا لم تكن من أجل الله ﴿وَمَأْوَاكُمُ النار وَمَا لَكُمْ مِّن نَّاصِرِينَ﴾ أي ومصيركم جميعاً جهنم وليس لكم ناصر أو معين يخلصكم منها ﴿فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ﴾ أي فآمن معه لوط وصدَّقه وهو ابن أخيه وأول من آمن به لما رأى من الآيات الباهرة ﴿وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إلى ربي﴾ أي وقال الخليل إِبراهيم، إِني تاركٌ وطني ومهاجر من بلدي رغبة في رضى الله قال المفسرون: هاجر من سواد العراق إلأى فلسطين والشام ابتغاء إِظهار الدين والتمكن من نشره ﴿إِنَّهُ هُوَ العزيز الحكيم﴾ أي هو العزيز الذي لا يذل من اعتمد عليه، الحكيم الذي يضع الأشياء مواضعها ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النبوة والكتاب﴾ أي وهبنا لإِبراهيم - لما فارق قومه في الله - ولداً صالحاً هو إِسحق وولد ولدٍ وهو يعقوب بن اسحاق ﴿وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النبوة والكتاب﴾ أي خصصناه بهذا الفضل العظيم حيث جعلنا كل الأنبياء بعد إِبراهيم من ذريته، وجعلنا اللكتب السماوية نازلةً على الأنبياء من بنيه قال ابن كثير: وهذه خصلة سنية عظيمة مع اتخاذ الله إِياه خليلاً، وجعله إِماماً للناس، أن جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، فل يوجد نبيٌ بعد إِبراهيم إِلا وهو من سلالته، فجميع أنبياء بني إِسرائيل من سلالة ولده «يعقوب» ولم يوجد نبي من سلالة «إسماعيل» سوى النبي العربي عليه أفضل الصلاة والتسليم ﴿وَآتَيْنَاهُ أَجْرَهُ فِي الدنيا﴾ أي وتركنا له الثناء الحسن في جميع الأديان ﴿وَإِنَّهُ فِي الآخرة لَمِنَ الصالحين﴾ أي وهو في الآخرة في عداد الكاملين في الصلاح، وهذا ثناءٌ عظيم على أب الأنبياء إبراهيم عليه السلام.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع فيما يلي:
١ - الاستفهام للتقريع والتوبيخ والإِنكار ﴿أَحَسِبَ الناس أَن يتركوا أَن يقولوا آمَنَّا﴾.
٢ - الطباق بين ﴿صَدَقُواْ.
. والكاذبين﴾
وبين ﴿آمَنُواْ.. والمنافقين﴾ وبين ﴿يُعَذِّبُ.. وَيَرْحَمُ﴾ وبين ﴿يُبْدِئُ.. يُعِيدُهُ﴾.
٣ - التأكيد بإِنَّ واللام ﴿فَإِنَّ أَجَلَ الله لآتٍ﴾ لأن المخاطب منكر.
٤ - صيغة المبالغة ﴿السميع العليم﴾.
٥ - الجناس غير التام ﴿يَسِيرٌ.. وسِيرُواْ﴾.
٦ - التشبيه المرسل المجمل ﴿فِتْنَةَ الناس كَعَذَابِ الله﴾ حذف منه وجه الشبه فهو مجمل.
٧ - التفنن في التعبير ﴿أَلْفَ سَنَةٍ إِلاَّ خَمْسِينَ عَاماً﴾ لم يقل إِلا خمسين سنة تفنناً لأن التكرار في الكلام الواحد مخالف للبلاغة إِلا إِذا كان لغرضٍ من تفخيم أو تهويل مثل ﴿القارعة مَا القارعة﴾.
٨ - أسلوب الإِطناب ﴿إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله أَوْثَاناً.. إِنَّ الذين تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله﴾ لغرض التشنيع عليهم في عبادة الأوثان.
٩ - أسلوب الإِيجاز ﴿اقتلوه أَوْ حَرِّقُوهُ﴾ أي حرقوه في النار ثم قال ﴿فَأَنْجَاهُ الله﴾ أي ففعلوا فأنجاه الله من النار.
١٠ - الاستعارة اللطيفة ﴿وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ﴾ شبّه الذنوب بالأثقال لأنها تثقل كاهل الإنسان.


الصفحة التالية
Icon