واحد ﴿رِجْزاً﴾ عذاباً ﴿جَاثِمِينَ﴾ جثم: إِذا قعد على ركبتيه ﴿سَابِقِينَ﴾ فائتين من عذابنا ﴿أَوْهَنَ﴾ أضعف، والوهنُ: الضعف.
التفسِير: ﴿وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ﴾ أي واذكر رسولنا لوطاً عليه السلام حين قال لقومه ﴿إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الفاحشة﴾ أي إِنكم يا معشر القوم لترتكبون الفعلة المتناهية في القبح ﴿مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّنَ العالمين﴾ أي لم يسبقكم بهذه الشنيعة، والفعلة القبيحة - وهي اللواطة - أحدٌ من الخلق، ثم فسر تلك الشنيعة فقال ﴿أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرجال﴾ أي إِنكم لتأتون الذكور في الأدبار وذلك منتهى القذارة والخسَّة قال المفسرون: لم يقدم أحد قبلهم عليها اشمئزازاً منها في طباعهم لإِفراط قبحها حتى أقدم عليها قوم لوط، ولم ينز ذكرٌ على ذكر قبل قوم لوط ﴿وَتَقْطَعُونَ السبيل﴾ أي وتقطعون الطريق على المارة بالقتل وأخذ المال، وكانوا قطاع الطريق قال ابن كثير: كانوا يقفون في طريق الناس يقتلونهم ويأخذون أموالهم ﴿وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ المنكر﴾ أي وتفعلون في مجلسكم ومنتداكم ما لا يليق من أنواع المنكرات علناً وجهاراً، أما كفاكم قبحُ فعلكم حتى ضممت إِليه قبح الإِظهار!؟ قال مجاهد: كانوا يأتون الذكور أمام الملأ يرى بعضهم بعضاً، وقال ابن عباس: كانوا يحذفون بالحصى من مرَّ بهم مع الفحش في المزاح، وحل الإِزار، والصفير وغير ذلك من القبائح ﴿فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ﴾ أي فما كان ردُّ قومه عليه حين نصحهم وذكرهم وحذَّرهم ﴿إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا بِعَذَابِ الله﴾ أي إِلا أن قالوا على سبيل الاستهزاء: ائتنا يا لوط بالعذاب الذي تعدنا به ﴿إِن كُنتَ مِنَ الصادقين﴾ أي كنت صادقاً فيما تهددنا به من نزول العذاب قال الإِمام الفخر: فإِن قيل إِن الله تعالى قال هاهنا ﴿إِلاَّ أَن قَالُواْ ائتنا﴾ وقال في موضع آخر ﴿إِلاَّ أَن قالوا أخرجوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ﴾ [النمل: ٥٦] فكيف وجه الجمع بينهما؟ فنقول: إِن لوطاً كان ثابتاً على الإِرشاد، مكرراً عليهم النهي والوعيد، فقالوا أولاً: ائتنا بعذاب الله، ثم لما كثر منه ذلك ولم يسكت عنهم قالوا أخرجوا آل لوط، ثم إِن لوطاً لما يئس منهم طلب النصرة من الله ﴿قَالَ رَبِّ انصرني عَلَى القوم المفسدين﴾ أي قال لوط ربّ أهلكهم وانصرني عليهم فإِنهم سفهاء مفسدون لا يُرجى منهم صلاح وقد أغرقوا في الغيّ والفساد قال الرازي: واعلم أن نبياًمن الأنبياء ما طلب هلاك قوم إِلا إِذا علم أن عدمهم خير من وجودهم كما قال نوح
﴿إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّواْ عِبَادَكَ﴾ [نوح: ٢٧] فكذلك لوط لما رأى أنهم يفسدون في الحال، ولا يرجى منهم صلاح في المآل طلب لهم العذاب ﴿وَلَمَّا جَآءَتْ رُسُلُنَآ إِبْرَاهِيمَ بالبشرى﴾ المراد بالرسل هنا «الملائكة» والبشرى هي تبشير إبراهيم بالولد، أي لما جاءت الملائكة تبشّر إِبراهيم بغلام حليم ﴿قالوا إِنَّا مهلكوا أَهْلِ هذه القرية﴾ أي جئنا لنهلك قرية قوم لوط ﴿إِنَّ أَهْلَهَا كَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ أي لأنَّ أهلها ممعنون في الظلم والفساد، طبيعتهم البغيُ والعناد قال المفسرون: لما دعا لوط على قومه، استجاب الله دعاءه، وأرسل ملائكته لإِهلاكهم، فمروا بطريقهم على إِبراهيم أولاً فبشروه بغلامٍ وذرية


الصفحة التالية
Icon