والآيات الظاهرة ﴿فاستكبروا فِي الأرض﴾ أي فاستكبروا عن عبادة الله وطاعة رسوله ﴿وَمَا كَانُواْ سَابِقِينَ﴾ أي وما كانوا ليفلتوا من عذابنا قال الطبري: أي ما كانوا ليفوتونا بل كنا مقتدرين عليهم ﴿فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ﴾ أي فكلاً من هؤلاء المجرمين أهلكناه بسبب ذنبه وعاقبناه بجنايته قال ابن كثير: أي وكانت عقوبته بما يناسبه ﴿فَمِنْهُم مَّن أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً﴾ أي ريحاً عاصفة مدمرة فيها حصباء «حجارة» كقوم لوط ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ أَخَذَتْهُ الصيحة﴾ أي ومنهم من أخذته صيحةُ العذاب مع الرجفة كثمود ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرض﴾ أي خسفنا به وبأملاكه الأرض حتى غاب فيها كقارون وأصحابه ﴿وَمِنْهُمْ مَّنْ أَغْرَقْنَا﴾ أي أهلكناه بالغرق كقوم نوح وفرعون وجنده ﴿وَمَا كَانَ الله لِيَظْلِمَهُمْ﴾ أي وما كان الله ليعذبهم من غير ذنب فيكون لهم ظالماً ﴿ولكن كانوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ أي ولكن ظلموا أنفسهم فاستحقوا العذاب والدمار، ثم ضرب تعالى مثلاً للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله فقال ﴿مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَآءَ كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتاً﴾ أي مثل الذين اتخذوا من دون الله أصناماً يعبدونها في اعتمادهم عليها ورجائهم نفعها كمثل العنكبوت في اتخاذها بيتاً لا يغني عنها في حر ولا برد، ولا مطر ولا أذى قال القرطبي: هذا مثل ضربه الله سبحانه لمن اتخذ من دونه آلهة لا تنفعه ولا تضره، كما أن بيت العنكبوت لا يقيها حراً ولا برداً ﴿وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي وإِن أضعف البيوت لبيتُ العنكبوت لتفاهته وحقارته، لو كانوا يعلمون أن هذا مثلهم ما عبدوها ﴿إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِن دُونِهِ مِن شَيْءٍ﴾ أي هو تعالى عالم بما عبدوه من دونه لا يخفى عليه ذلك، وسيجازيهم على كفرهم ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي وهو جل وعلا العزيز في ملكه، الحكيم في صنعه ﴿وَتِلْكَ الأمثال نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ﴾ أي وتلك الأمثال نبينها للناس في القرآن لتقريبها إلى أذهانهم ﴿وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاَّ العالمون﴾ أي وما يدركها ويفهمها إِلا العالمون الراسخون، الذين يعقلون عن اللع عَزَّ وَجَلَّ مراده ﴿خَلَقَ الله السماوات والأرض بالحق﴾ أي خلقهما بالحق الثابت لا على وجه العبث واللعب ﴿إِنَّ فِي ذلك لآيَةً لِّلْمُؤْمِنِينَ﴾ أي إِن في خلقهما بذلك الشكل البديع، ولاصنع المحكم لعلامة ودلالة للمصدقين بوجود الله ووحدانيته ﴿اتل مَا أُوْحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الكتاب﴾ أي اقرأ يا محمد هذا القرآن المجيد الذي أوحاه إِليك ربك، وتقرّب إِليه بتلاوته وترداده، لأن فيه محاسن الآداب ومكارم الأخلاق ﴿وَأَقِمِ الصلاة﴾ أي دم على إِقامتها بأركانها وشروطها وآدابها فإِنها عماد الدين ﴿إِنَّ الصلاة تنهى عَنِ الفحشآء والمنكر﴾ أي إِنَّ الصلاة الجامعة لشروطها وآدابها، المستوفية لخشوعها وأحكامها، إِذا أداها المصلي كما ينبغي، وكان خاشعاً في صلاته، متذكراً لعظمة ربه، متدبراً لما يتلو، نهته عن الفواحش والمنكرات ﴿وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ﴾ أي ولذكر الله أكبر من كل شيء في الدنيا، وهو أن تتذكر عظمته وجلاله، وتذكره في صلاتك وفي بيعك وشرائك، وفي أمور حياتك ولا تغفل عنه في جميع شؤونك ﴿والله يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾ أي يعلم جميع أعمالكم وأفعالكم فيجازيكم عليها أحسن المجازاة، قال أبو العالية: إن الصلاة فيهاثلاث خصال: الإِخلاص، والخشية، وذكر الله؛ فالإِخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر الله -


الصفحة التالية
Icon