ولا تجاوروا الظلمة فأرضُ الله واسعة قال مقاتل: نزلت في ضعفاء مسلمي مكة ﴿فَإِيَّايَ فاعبدون﴾ أي فخصوني بالعبادة ولا تعبدوا أحداً سواي ﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الموت ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ أي أينما كنتم يدرككم الموتُ، فكنوا دائماً وأبداً في طاعة الله، وحيث أُمرتم فهاجروا فإن الموت لا بدَّ منه ولا محيد عنه، ثم إلأى الله المرجع والمآب ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات﴾ أي جمعوا بيت إخلاص العقيدة وإخلاص العمل ﴿لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ الجنة غُرَفَاً﴾ أي لننزلنَّهم أعالي الجنة ولنسكننهم منازل رفيعة فيها ﴿تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنهار﴾ أي تجري من تحت أشجارها وقصورها أنهار الجنة ﴿خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي ماكثين فيها إلى غير نهاية لا يخرجون منها أبداً ﴿نِعْمَ أَجْرُ العاملين﴾ أي نعمت تلك المساكن العالية في جناتِ النعيم أجراً للعاملين ﴿الذين صَبَرُواْ وعلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾ هذا بيانٌ للعاملين أي هم الذين صبروا على تحمل المشاقّ من الهجرة والأذى في سبيل الله، وعلى ربهم يعتمدون في جميع أمورهم قال في البحر: وهذان جماع الخير كله: الصبر، وتفويض الأمر إلأيه تعالى ﴿وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا﴾ أي كم من دابة ضعيفة لا تقدر على كسب رزقها ولكنَّ الله يرزقها مع ضعفها ﴿الله يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ﴾ أي الله تعالى يرزقها كما يرزقكم، وقد تكفل برزق جميع الخلق، فلا تخافوا الفقر إن هاجرتم، فالرازق هو الله قال في التسهيل: والقصدُ بالآية التقوية لقلوب المؤمنين إذا خافوا الفقر والجوع في الهجرة من أوطانهم، فكما يرزق الله الحيوانات الضعيفة كذلك يرزقكم إذا هاجرتم من بلدكم ﴿وَهُوَ السميع العليم﴾ أي هو السميع لأقوالكم، العليمُ بأحوالكم، ثم عاد الحديث إلى توبيخ المشركين في عبادة غير الله فقال ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض وَسَخَّرَ الشمس والقمر لَيَقُولُنَّ الله﴾ أي ولئن سألت المشركين من خلق العالم العلوي والسفلي وما فيهما من العجائب والغرائب؟ ومن ذلَّل الشمس والقمر وسخرهما لمصالح العباد يجريان بنظام دقيق؟ ليقولون: الله خالق ذلك ﴿فأنى يُؤْفَكُونَ﴾ أي فكيف يُصرفون عن توحيده بعد إقرارهم بذلك؟ ﴿الله يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ أي هو جلَّ وعلا الخالق وهو الرازق، يوسّع الرزق لمن يشاء من عباده امتحاناً، ويضيّق الرزق على من يشاء ابتلاءً، ليظهر الشاكر والصابر ﴿إِنَّ الله بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي إنه تعالى واسع العلم يفعل ما تقتضيه الحكمة والمصلحة ﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأرض مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ الله﴾ توبيخٌ آخر وإقامة حجة أخرى عليهم أي ولئن سألت المشركين من الذي أنزل المطر من السماء فأخرج به أنواع الزروع والثمار بعد جدب الأرض ويبسها؟ ليقولون: الله فاعلُ ذلك ﴿قُلِ الحمد لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ أي قل يا محمد: حمداً لله على ظهور الحجة، بل أكثرهم لا يعقلون، حيث يقرون بأن الله هو الخالق الرازق ويعبدون غيره ﴿وَمَا هذه الحياة الدنيآ إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ﴾ أي وما الحياة في هذه الدنيا إلا غرور ينقضي سريعاً ويزول، كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون ﴿وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِيَ الحيوان﴾ أي وإن الآخرة لهي الحياة الحقيقية التي لا موت فيها ولا تنغيص ﴿لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لو كان عندهم علم لم يُؤْثروا دار الفناء على دار البقاء،