والرياح، ولو خلقها تعالى مثل الرمل لما كانت تثبتُ للزراعة، كما نرى الأراضي الرملية ينتقل الرمل الذي فيها من موضع إلى موضع، فهذه هي حكمة إِرسالها بالجبال، فسبحان الكبير المتعال ﴿وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ﴾ أي ونشر وفرَّق في أرجاء الأرض من كل أنواع الحيوانات والدواب من مأكول ومركوب، مما لا يعلم عدد أشطالها وألوانها إِلا الذي خلقها ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السمآء مَآءً﴾ أي وأنزلنا لحفظكم وحفظ دوابكم المطر من السحاب ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ﴾ أي فأنبتنا في الأرض من كل نوع من النبات، ومن كل صنفٍ من الأغذية والأدوية ﴿كَرِيمٍ﴾ أي كثير المنافع، بديع الخلق والتكوين ﴿هذا خَلْقُ الله﴾ أي هذا الذي تشاهدونه وتعاينونه أيها المشركون هو من مخلوقات الله، فانظروا في السماوات والأض، والإِنسان، والنبات، والحيوان، وسائر ما خلق الله ثم تفكروا في آثار قدرته، وبديع صنعته ﴿فَأَرُونِي﴾ ثم أخبروني ﴿مَاذَا خَلَقَ الذين مِن دُونِهِ﴾ أي أيَّ شيءٍ خلقته آلهتكم التي عبدتموها من دون الله من الأوثان والأصنام؟ وهو سؤال على جهة التهكم والسخرية بهم وبآلهتهم المزعومة، ثم أضرب عن تبكيتهم إلى التسجيل عليهم بالضلال الواضح فقال ﴿بَلِ الظالمون فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي بل المشركون في خسران ظاهر، وضلالٍ واضح ما بعده ضلال، لأنهم وضعوا العبادة في غير موضعها، وعبدوا ما لا يسمع ولا يبصر ولا ينفع ولا يضر، فهم أضل من الحيوان الأعجم، لأن من عبد صنماً جامداً، وترك خالقاً عظيماً مدبراً، يكون أحطَّ شأناً من الحيوان.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - وضع المصدر للمبالغة ﴿هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ﴾.
٢ - الإِشارة بالبعيد ﴿تِلْكَ آيَاتُ﴾ عن القريب ﴿هذه﴾ لبيان علو الرتبة ورفعة القدر والشأن.
٣ - الإِطناب بتكرار الضمير واسم الإِشارة ﴿وَهُمْ بالآخرة هُمْ يُوقِنُونَ أولئك على هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وأولئك هُمُ﴾ لزيادة الثناء عليهم والتكريم لهم، كما أن الجملة تفيد الحصر أي هم المفلحون لا غيرهم.
٤ - الاستعارة التصريحية ﴿وَمِنَ الناس مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الحديث﴾ شبّه حالهم بحال من يشتري سلعة وهو خاسر فيها، واستعار لفظ يشتري لمعنى يستبدل بطريق الاستعارة التصريحية.
٥ - التشبيه المرسل المجمل ﴿كَأَنَّ في أُذُنَيْهِ وَقْراً﴾ ذكرت أداة التشبيه وحذف الشبه فهو تشبيه «مرسل مجمل».
٦ -


الصفحة التالية
Icon