وهي الصلاة، ثم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ثم بالصبر على ما يصيبه من المحن بسبب الأمر بالمعروف، فكثيراً ما يُؤذى فاعل ذلك ﴿إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمور﴾ أي إِن ذلك المكذور مما عزمه الله وأمر به قال ابن عباس: من حقيقة الإِيمان الصبر على المكاره وقال الرازي: معناه إِن ذلك من الأمور الواجبة المعزومة أي المقطوعة، فالمصدر بمعنى المفعول ﴿وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ﴾ أي لا تمل وجهك عنهم تكبراً عليهم قال القرطبي: أي لا تمل خدك للناس كبراً عليهم وإِعجاباً، وتحقيراً لهم، وهو قول ابن عباس ﴿وَلاَ تَمْشِ فِي الأرض مَرَحاً﴾ أي لا تمش متبختراً متكباراً ﴿إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ تعليلٌ للنهي أي لأن الله يكره المتكبر الذي يرى العظمة لنفسه، ويتكبر على عباد الله، المتبختر في مشيته، والفخور الذي يفتخر على غيره، ثم لما نهاه عن الخُلُق الذميم، أمره بالخُلُق الكريم فقال ﴿واقصد فِي مَشْيِكَ﴾ أي توسَّط في مشيتك واعتدل فيها بين الإِسراع والبطء ﴿واغضض مِن صَوْتِكَ﴾ أي اخفض من صوتك فلا ترفعه عالياً فإِنه قبيح لا يجمل بالعاقل ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير﴾ أي إِن أوحش الأصوات صوتُ الحمير فمن رفع صوته كان مماثلاً لهم، وأتى بالمنكر القبيح قال الحسن: كان المشركون يتفاخرون برفع الأصوات فرد عليهم بأنه لو كان خيراً لفضلتهم به الحمير، وقال قتادة: أقبح الأصوات صوت الحمير، أوله زفير وآخره شهيق.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البلاغة والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الطباق بين ﴿شْكُرْ.. وكَفَرَ﴾.
٢ - صيغة المبالغة ﴿غَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ وكذلك ﴿لَطِيفٌ خَبِيرٌ﴾ و ﴿فَخُورٍ﴾ لأن فعيل وفعول من صيغ المبالغة ومعناه كثير الحمد وكثير الفخر.
٣ - ذكر الخاص بعد العام ﴿بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ﴾ وذلك لزيادة العناية والاهتمام بالخاص.
٤ - تقديم ما حقه التأخير لإِفادة الحصر مثل ﴿إِلَيَّ المصير﴾ ﴿إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ﴾ أي لا إِلى غيري.
٥ - التمثيل ﴿إِنَّهَآ إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ مثَّل ذلك لسعة علم الله وإِحاطته بجميع الأشياء صغيرها وكبيرها، جليلها وحقيرها فإِنه تعالى يعلم أصغر الأشياء في أخفى الأمكنة.
٦ - التتميم ﴿فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ﴾ تَّمم خفاءها في نفسها بخفاء مكانها وهذا من البديع.
٧ - المقابلة ﴿وَأْمُرْ بالمعروف﴾ ثم قال ﴿وانه عَنِ المنكر﴾ فقابل بين اللفظين.
٨ - الاستعارة التمثيلية ﴿إِنَّ أَنكَرَ الأصوات لَصَوْتُ الحمير﴾ شبَّه الرافعين أصواتهم بالحمير، وأصواتهم بالنهيق، ولم يذكر أداة التشبيه بل أخرجه مخرج الاستعارة للمبالغة في الذم، والتنفير عن رفع الصوت.