الفتح لاَ يَنفَعُ الذين كفروا إِيَمَانُهُمْ} أي قل لهم يا محمد توبيخاً وتبكيتاً: إِن يوم القيامة هو يوم الفتح الحقيقي الذي يفصل تعالى فيه بيننا وبينكم، ولا ينفع فيه الإِيمان ولا الاعتذار فلماذا تستعجلون؟ ﴿وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ﴾ أي ولا هم يؤخرون ويمهلون للتوبة قال البيضاوي: ويوم الفتح هو يوم القيامة فإِنه يوم نصر المؤمنين على الكافرين والفصل بينهم، وقيل هو يوم بدر ﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ أي فأعرضْ يا محمد عن هؤلاء الكفار ولا تبالِ بهم ﴿وانتظر إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ﴾ أي وانتظر ما يحل بهم من عذاب الله، إِنهم منتظرون كذلك ما يحل بكم قال القرطبي: أي ينتظرون بكم حوادث الزمان.
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - جناس الاشتقاق مثل ﴿تُنذِرَ.. ونَّذِيرٍ﴾ وكذلك مثل ﴿انتظر.. إِنَّهُمْ مُّنتَظِرُونَ﴾.
٢ - الطباق بين ﴿الغيب.. والشهادة﴾ وبين ﴿خَوْفاً.. وَطَمَعاً﴾.
٣ - الالتفات من الغيبة إِلى الخطاب ﴿وَجَعَلَ لَكُمُ﴾ والأصل «وجعل له» والنكتة أن الخطاب إِنما يكون مع الحيّ فلما نفخ تعالى الروح فيه حسن خطابه مع ذريته.
٤ - الاستفهام الإِنكاري وغرضه الاستهزاء ﴿أَإِذَا ضَلَلْنَا فِي الأرض أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ﴾ ؟
٥ - الإِضمار ﴿رَبَّنَآ أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا﴾ أي يقولون ربنا أبصرنا وسمعنا.
٦ - الاختصاص ﴿ثُمَّ إلى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ﴾ أي إِليه لا إِلى غيره مرجعكم يوم القيامة.
٧ - حذف جواب لو للتهويل ﴿وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ﴾ أي لرأيت أمراً مهولاً.
٨ - المشاكلة وهي الاتفاق في اللفظ مع الاختلاف في المعنى ﴿نَسِيتُمْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ.. إِنَّا نَسِينَاكُمْ﴾ فإِن الله تعالى لا ينسى وإِنما المراد نترككم في العذاب ترك الشيء المنسي.
٩ - المقابلة اللطيفة بين جزاء الأبرار وجزاء الفجار ﴿أَمَّا الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فَلَهُمْ جَنَّاتُ المأوى..﴾ ﴿وَأَمَّا الذين فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ النار﴾ وهو من المحسنات البديعية.
١٠ - الكناية عن كثرة العبادة والتبتل ليلاً ﴿تتجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ المضاجع﴾.
١١ - الاستفهام للتقريع والتوبيخ ﴿أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ﴾ ؟ ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ المآء﴾ ؟ ﴿أَفَلاَ يَسْمَعُونَ﴾ ؟ ﴿أَفَلاَ يُبْصِرُونَ﴾ وكلها بقصد الزجر والتوبيخ.
١٢ - السجع مراعاةً للفواصل ورءوس الآيات مثل ﴿إِنَّا مُوقِنُونَ وَهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ أَفَلاَ يَسْمَعُونَ﴾ وهذا من المحسنات البديعية وهو كثير في القرآن الكريم.


الصفحة التالية
Icon