الأمهات، في التحريم واستحقاق التعظيم، وأما فيما عدا ذلك فهنَّ كالأجنبيات ﴿وَأُوْلُو الأرحام﴾ أي أهل القرابات ﴿بَعْضُهُمْ أولى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ الله مِنَ المؤمنين والمهاجرين﴾ أي أحقُّ بالإرث من المهاجرين والأنصار في شرع الله ودينه ﴿إِلاَّ أَن تفعلوا إلى أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً﴾ أي إلاّ أن تحسنوا إلى إخوانكم المؤمنين والمهاجرين في حياتكم، أو توصوا إليهم عند الموت فإن ذلك جائز، وبسط اليد بالمعروف مما حثَّ الله عباده عليه، قال المفسرون: وهذا نسخٌ لما كان في صدر الإسلام من توارث المسلمين من بعضهم بالأخوة الإيمانية وبالهجرة ونحوها ﴿كَانَ ذَلِكَ فِي الكتاب مَسْطُوراً﴾ أي كان حكم التوارث بين ذوي الأرحام مكتوباً مسطراً في الكتاب العزيز لا يبدل ولا يُغير، قال قتادة: أي مكتوباً عند الله عَزَّ وَجَلَّ أَلاَّ يرث كافر مسلماً ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النبيين مِيثَاقَهُمْ﴾ أي اذكر وقت أخذنا من النبيين عهدهم المؤكد باليمين، أن يفوا بما التزموا، وأن يصدِّق بعضهم بعضاً وأن يؤمنوا برسالة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ورسالاتهم ﴿وَمِنْكَ وَمِن نُّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وموسى وَعِيسَى ابن مَرْيَمَ﴾ أي وأخذنا منك يا محمد الميثاق ومن نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وهؤلاء هم أولو العزم ومشاهير الرسل، وإنما قدَّمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الذكر لبيان مزيد شرفه وتعظيمه، قال البيضاوي: خصَّهم بالذكر لأنهم مشاهير أرباب الشرائع، وقدَّم نبينا عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ تعظيماً له وتكريماً لشأنه وقال ابن كثير: بدأ بالخاتم لشرفه صلوات الله عليه، وبياناً لعظم مكانته، ثم رتبهم بحسب وجودهم في الزمان ﴿وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِّيثَاقاً غَلِيظاً﴾ أي وأخذنا من الأنبياء عهداً وثيقاً عظيما ً على الوفاء بما التزموا به من تبليغ الرسالة ﴿لِّيَسْأَلَ الصادقين عَن صِدْقِهِمْ﴾ أي ليسأل الله يوم القيامة الأنبياء الصادقين عن تبليغهم الرسالة إلى قومهم، قال الصاوي: والحكمة في سؤال الرسل مع علمه تعالى بصدقهم هو التقبيح على الكفار يوم القيامة وتبكيتهم وقال القرطبي: وفي الآية تنبيه على أن الأنبياء إذا كانوا يُسألون يوم القيامة فكيف بمن سواهم؟ وفائدة سؤالهم توبيخ الكفار كما قال تعالى لعيسى:
﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين﴾ [المائدة: ١١٦] ؟ ﴿وَأَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً أَلِيماً﴾ أي وأعد الله للكافرين عذاباً مؤلماً موجعاً، بسبب كفرهم وإعراضهم عن قبول الحق، ثم شرع تعالى في ذكر «غزوة الأحزاب» وما فيها من نِعَم فائضة، وآيات باهرة للمؤمنين فقال: ﴿ياأيها الذين آمَنُواْ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي اذكروا فضله وإنعامه عليكم ﴿إِذْ جَآءَتْكُمْ جُنُودٌ﴾ أي وقت مجيء جنود الأحزاب وتألبهم عليكم، قال أبو السعود: والمراد بالجنود الأحزاب وهم قريش، وغطفان، ويهود قريظة وبني النضير، وكانوا زهاء اثني عشر ألفاً، فلما سمع رسول الله صلى الله عليه السلام بإقبالهم ضرب الخندق على المدينة بإشارة «سلمان الفارسي» ثم خرج في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضرب معسكره والخندقُ بينه وبين المشركين، واشتد الخوف وظنَّ المؤمنون كل ظن، ونجم النفاق في المنافقين حتى قال «معتب بن قشير» : يعدنا محمد كنوز كسرى


الصفحة التالية
Icon