يغرنا به محمد ﴿وَإِذْ قَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْهُمْ﴾ أي واذكر حين قالت جماعة من المنافقين وهم: أوس بن قيظي وأتباعه، وأُبيُّ بن سلول وأشياعه ﴿ياأهل يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ﴾ أي يا أهل المدينة لا قرار لكم ههنا ولا إِقامة ﴿فارجعوا﴾ أي فارجعوا إِلى منازلكم واتركوا محمداً وأصحابه ﴿وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النبي﴾ ويستأذن جماعة من المنافقين النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ في الإِنصراف متعللين بعلل واهية ﴿يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ﴾ أي غير حصينة فنخاف عليها العدوَّ والسُّرّاق ﴿وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ﴾ تكذيب من الله تعالى لهم أي ليس الأمر كما يزعمون ﴿إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَاراً﴾ أي ما يريدون بما طلبوا من الرسول صلى الله عليهوسلم إِلا الهرب من القتال، والفرار من الجهاد، والتعبريُ بالمضارع ﴿وَيَسْتَأْذِنُ﴾ لاستحضار الصورة في النفس، فكأن السامع يبصرهم الآن وهم يستأذنون، ثم فضحهم تعالى وبيَّن كذبهم ونفاقهم فقال: ﴿وَلَوْ دُخِلَتْ عَلَيْهِمْ مِّنْ أَقْطَارِهَا﴾ أي ولو دخل الأعداء على هؤلاء المنافقين من جميع نواحي المدينة وجوانبها ﴿ثُمَّ سُئِلُواْ الفتنة لآتَوْهَا﴾ أي ثم طلب إليهم أن يكفروا وأن يقاتلوا المسلمين لأعطوها من أنفسهم ﴿وَمَا تَلَبَّثُواْ بِهَآ إِلاَّ يَسِيراً﴾ أي لفعلوا ذلك مسرعين، ولم يتأخروا عنه لشدة فسادهم، وذهاب الحق من نفوسهم، فهم لا يحافظون على الإِيمان ولا يستمسكون به مع أدنى خوف وفزع، وهذا ذمٌ لهم في غاية الذم ﴿وَلَقَدْ كَانُواْ عَاهَدُواْ الله مِن قَبْلُ لاَ يُوَلُّونَ الأدبار﴾ أي ولقد كان هؤلاء المنافقون أعطوا ربهم العهود والمواثيق من قبل غزوة الخندق وبعد بدر ألاَّ يفروا من القتال ﴿وَكَانَ عَهْدُ الله مَسْئُولاً﴾ أي وكان هذا العهد منهم جديراً بالوفاء لأنهم سيسألون عنه، وفيه تهديدٌ ووعيد، قال قتادة: لما غاب المنافقون عن بدر، ورأوا ما أعطى الله أهل بدرٍ من الكرامة والنصر، قالوا لئن أشهدنا الله قتالاً لنقاتلن ﴿قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مِّنَ الموت أَوِ القتل﴾ أي قل يا أيها النبي لهؤلاء المنافقين، الذين يفرون من القتال طمعاً في البقاء وحرصاً على الحياة، إن فراركم لن يطوّل أعماركم ولن يؤخر آجالكم، ولن يدفع الموت عنكم أبداً ﴿وَإِذاً لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي ولئن هربتم وفررتم فإِذاً لا تمتعون بعدة إلا زمناً يسيراً، لأن الموت مآل كل حي، ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ﴿قُلْ مَن ذَا الذي يَعْصِمُكُمْ مِّنَ الله﴾ أي من يستطيع أن يمنعكم منه تعالى ﴿إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سواءا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً﴾ أي إن قدَّر هلاككم ودماركم، أو قدَّر بقاءكم ونصركم؟ ﴿وَلاَ يَجِدُونَ لَهُمْ مِّن دُونِ الله وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً﴾ أي وليس لهم من دون الله مُجير ولا مغيث، فلا قريب ينفعهم ولا ناصر ينصرهم ﴿قَدْ يَعْلَمُ الله المعوقين مِنكُمْ﴾ أي لقد علم الله تعالى ما كان من أمر أولئك المنافقين، والمثبطين للعزائم، م الذين يعّوقون الناس عن الجهاد، ويصدونهم عن القتال ﴿والقآئلين لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا﴾ أي والذين يقولون لإِخوانهم في الكفر والنفاق: تعالوا إِلينا واتركوا محمداً وصبحه يهلكوا ولا تقاتلوا معهم، قال تعالى: ﴿وَلاَ يَأْتُونَ البأس إِلاَّ قَلِيلاً﴾ أي ولا يحضرون القتال إِلا قليلاً منهم رياءً وسمعة، قال الصاوي: لأن شأن من يثبّط غيره عن الحرب ألاّ يفعله إلآ قليلاً لغرضٍ خبيث وقال في البحر: المعنى: لا يأتون القتال إلا إتياناً قليلاً، يخرجون مع المؤمنين يوهمونهم أنهم معهم،