تجبره بالقسر والإكراه، فهرب منها فتسابقا نحو الباب هي لترده إلى نفسها وهو يهرب منها فاختصر القرآن ذلك كله بتلك العبارة البليغة ﴿واستبقا الباب﴾.
(شطحات بعض المفسرين في تفسير الهمّ)
لقد شطَّ القلم، وزلقت القدم ببعض المفسرين حين زعموا أن يوسف عليه السلام قد همَّ بمقارفة الفاحشة، وشُحنت بعضُ كتب التفسير بكثير من الروايات الإِسرائيلية الواهية، بل المنكرة الباطلة في تفسير «الهمّ» و «البرهان» حتى زعم بعضهم أن يوسف حلَّ رباط السروال، وجلس منها مجلس الرجل من امرأته، ثم رأى صورة أبيه «يعقوب» عاضاً على أصبعه، فقام عنها وتركها خجلاً من أبيه إلى غير ما هنالك من أقوال واهية، لا زمام لها ولا خطام. ولستُ أدري كيف دخلت تلك الروايات المنكرة إلى بعض كتب التفسير، وتقبّلها بعضهم بقبول حسن، وكلُّها - كما يقول العلامة أبو السعود - خرافات وأباطيل، تمجّها الآذان، وتردها العقول والأذهان ﴿؟ ثم كيف غاب عن أولئك المفسرين أن «يوسف الصدّيق» نبيٌ كريم، ابن نبيٍ كريم، وأن العصمة من صفات الأنبياء﴾ ﴿يا قوم اعقلوا وفكروا، ونزّهوا هذه الكتب عن أمثال هذه التَّرهات والأباطيل، فإن الزنى جريمة من أبشع الجرائم فكيف يرتكبها نبيٌ من الأنبياء المكرمين؟ وهاكم الأدلة أسوقها من كتاب الله فقط على عصمته عليه السلام من عشرة وجوه:
الأول: امتناعه الشديد ووقوفُه أمامها بكل صلابه وعزم {قَالَ مَعَاذَ الله إِنَّهُ ربي أَحْسَنَ مَثْوَايَ..﴾
.
الثاني: فراره منها بعد أن غلَّقت الأبواب وشدّدت عليه الحصار ﴿واستبقا الباب وَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِن دُبُرٍ... ﴾.
الثالث: إيثاره السجن على الفاحشة ﴿قَالَ رَبِّ السجن أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يدعونني إِلَيْهِ... ﴾.
الرابع: ثناء الله تعالى عليه في مواطن عديدة ﴿إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المخلصين﴾ ﴿حُكْماً وَعِلْماً﴾ فهل يكون مخلصاً لله من همَّ بفاحشة الزنى؟
الخامس: شهادة الطفل الذي أنطقه الله وهو في المهد بالحجة الدامغة ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّنْ أَهْلِهَآ... ﴾ الآية.
السادس: اعتراف امرأة العزيز ببراءته وعفته ﴿وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فاستعصم... ﴾.
السابع: استغاثته بربه لينجيه من كيد النساء ﴿فاستجاب لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ..﴾.
الثامن: ظهور الأمارات الواضحة والبراهين الساطعة على براءته وإِدخالِهِ السجن لدفع مقالة الناس ﴿ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِّن بَعْدِ مَا رَأَوُاْ الآيات لَيَسْجُنُنَّهُ حتى حِينٍ﴾.
التاسع: عدم قبوله الخروج من السجن حتى تبرأ ساحته من التهمة ﴿ارجع إلى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ... ﴾ ؟.
العاشر: الاعتراف الصريح من امرأة العزيز والنسوة ببراءته ﴿قَالَتِ امرأت العزيز الآن حَصْحَصَ الحق أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين﴾. وكفى بذلك برهاناً على عفته ونزاهته} ! والله يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل.


الصفحة التالية
Icon