اللغة: ﴿أُحْكِمَتْ﴾ الإِحكام: المنعُ من الفساد يقال: أحكم الأمر إِذا أتى به على وجه لا يتطرأ إِليه خلل أو فساد ﴿مُسْتَقَرَّهَا﴾ المكان الذي تأوي إليه في الدنيا ﴿مُسْتَوْدَعَهَا﴾ المكان الذي تصير إِليه بعد الموت ﴿أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ﴾ الأمة هنا بمعنى المدة من الزمن أي مدة محدودة من السنين قال القرطبي: والأُمَّة اسم مشترك يطلق على ثمانية أوجه: الجماعة، الملة، الرجل الجامع للخير، الحين والزمن، أتباع الأنبياء الخ ﴿مِرْيَةٍ﴾ شك وارتياب ﴿وَضَلَّ﴾ ضاع وتلاشى ﴿لاَ جَرَمَ﴾ كلمة واحدة بمعنى حقاً وهو قول الخليل وسيبويه ﴿وأخبتوا﴾ خشعوا وخضعوا والإِخباتُ: الذل والخضوع ﴿الأصم﴾ الذي لا يسمع وبه صمم.
سَبَبُ النُّزول: ذكر القرطبي عن ابن عباس أن «الأَخْنس بن شريق» كان رجلاً حلو الكلام وحلو المنطق، يلقى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بما يحب، وينطوي له بقلبه على ما يسوء فأنزل الله ﴿أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ..﴾ الآية.
التفسِير: ﴿الر﴾ إِشارة إِلى إِعجاز القرآن، وأنه مركب من أمثال هذه الحروف الهجائية، وعن ابن عباس أن معناه: أنا الله أرى ﴿كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ﴾ أي هو كتابٌ جليل القدر، نظمت آياته نظماً محكماً، لا يلحقه تناقضٌ ولا خلل ﴿ثُمَّ فُصِّلَتْ﴾ أي بُيّنت فيه أمور الحلال والحرام، وما يحتاج إِليه العباد في أمور المعاش والمعاد ﴿مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ﴾ أي من عند الله فصَّلها وبيَّنها الخبير العالم بكيفيات الأمور، ولذا كانت محكمة أحسن الإِحكام ومفصلة أحسن التفصيل ﴿أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله﴾ أي لئلا تعبدوا إلا الله ﴿إِنَّنِي لَكُمْ مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ﴾ أي إِنني مرسلٌ إليكم من جهته تعالى، أنذركم بعذابه إِن كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم ﴿وَأَنِ استغفروا رَبَّكُمْ ثُمَّ توبوا إِلَيْهِ﴾ أي استغفروه من الذنوب وأخلصوا التوبة واستقيموا عليها بالطاعة والإِنابة ﴿يُمَتِّعْكُمْ مَّتَاعاً حَسَناً﴾ أي يمتعكم في هذه الدنيا بالمنافع الجليلة من سعة الرزق، ورغَد العيش ﴿إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي إِلى وقتٍ محدَّد هو انتهاء أعماركم ﴿وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ﴾ أي ويعطي كل محسنٍ في عمله جزاء إحسانه ﴿وَإِن تَوَلَّوْاْ﴾ أي وإن تتولوا عن الإِيمان وتُعرضوا عن طاعة الرحمن ﴿فإني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ أي أخاف عليكم عذاب يوم القيامة، ووصف العذاب بأنه كبير لما فيه من الأهوال الشديدة ﴿إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ﴾ أي إليه جلَّ وعلا رجوعكم بعد الموت ﴿وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ أي قادر على إماتتكم ثم إحيائكم وعلى معاقبة من كذَّب لا يعجزه شيء، وفي الآية تهديد عظيم {أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ