لبكائه ﴿وَأَلَنَّا لَهُ الحديد﴾ أي جعلنا الحديد ليناً بين يديه حتى كان كالعجين، قال قتادة: سخر الله له الحديد فكان لا يحتاج أن يُدخله ناراً، ولا يضربه بمطرقة، وكان بين يديه كالشمع والعجبين ﴿أَنِ اعمل سَابِغَاتٍ﴾ أي اعمل منه الدروع السابغة التي تقي الإِنسان شر الحرب، قال المفسرون: كان يأخذ الحديد بيده فيصير كأنه عجين يعمل به ما يشاء، ويصنع الدرع في بعض يوم يساوي ألف درهم فيأكل ويتصدق، والسابغات صفة لموصوف محذوف تقديره دروعاتً سابغات، وفي الدروع الكوامل التي تغطي لا بسها حتى تفضل عنه فيجرها على الأرض ﴿وَقَدِّرْ فِي السرد﴾ أي وقدر في نسج الدروع بحيث تتناسب حلقاتها، قال الصاوي: أي جعل كل حلقة مساوية لأختها ضيقة لا ينفذ منها السهم لغلظها، ولا تثقل حاملها واجعل الكل بنسبةٍ واحدة ﴿واعملوا صَالِحاً﴾ أي واعملوا يا آل داود عملاً صالحاً ولا تتكلوا على عز أبيكم وجاهه ﴿إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي إني مطلع على أعمالكم مراقب لها وسأجازيكم بها، قال الإمام الفخر: ألاَن الله لداود الحديد حتى كان في يده كالشمع وهو في قدرة الله يسير، فإنه يَلين بالنار حتى يصبح كالمداد الذي يكتب به، فأي عاقل يستبعد ذلك على قدرة الله وهو أول من صنع الدروع حلقاً وكانت قبل ذلك صفائح ثقالاً كما قال تعالى:
﴿وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ﴾ [الأنبياء: ٨٠]، ثم ذكر تعالى ما أنعم به على ولده «سليمان» من النبوة والملك والجاه العظيم قال: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الريح غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ﴾ أي وسخرنا لسليمان الريح تسير بأمره، وسيرها من الصباح إلى الظهر مسيرة شهر اللسائر المجد، ومن الظهر إلى الغروب مسيرة شهر، قال المفسرون: سخّر الله له الريح تقطع به المسافات الشاسعة في ساعات معدودات، تحمله مع جنده فتنتقل به من بلدٍ إلى بلد، تغدو به مسيرة شهر إلى نصف النهار، وترجع به مسيرة شهر إلى آخر النهار، فتقطع به مسيرة شهرين في نهار واحد ﴿وَأَسَلْنَا لَهُ عَيْنَ القطر﴾ أي وأذبنا له النحاس حتى كان يجري كأنه عين ماء متدفقة من الأرض، قال المفسرون: أجرى الله لسليمان النحاس، كما ألاَن لداود الحديد، آية باهرة، ومعجزة ظاهرة ﴿وَمِنَ الجن مَن يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ﴾ أي وسخرنا له الجن تعمل بأمره وإرادته ما شاء مما يعجز عنه البشر، وكل ذلك بأمر الله وتسخيره ﴿وَمَن يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنَا﴾ أي ومن يعدل منهم عمّا أمرنا به من طاعة سليمان ﴿نُذِقْهُ مِنْ عَذَابِ السعير﴾ أي نذقه النار المستعرة في الآخرة، ثم أخبر تعالى عما كلف به الجنُّ من الأعمال فقال: ﴿يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَآءُ مِن مَّحَارِيبَ﴾ أي يعمل هؤلاء الجن لسليمان ما يريد من القصور الشامخة ﴿وَتَمَاثِيلَ﴾ أي والتماثليل العجيبة من النحاس والزجاج، قال الحسن: ولم تكن يومئذٍ محرمة، وقد حرمت من شريعتنا سداً للذريعة لئلا تُعبد من دون الله ﴿وَجِفَانٍ كالجواب﴾ أي وقصاعٍ ضخمة تشبه الأحواض، قال ابن عباس: «كالجواب» أي كالحياض ﴿وَقُدُورٍ رَّاسِيَاتٍ﴾ أي وقدورٍ كبيرة ثابتات لا تتحرك لكبرها وضخامتها، قال ابن كثير: والقدور الراسياتُ أي الثابتات في أماكنها لا تتحرك ولا تتحول عن أماكنها لعظمها ﴿اعملوا آلَ دَاوُودَ شُكْراً﴾ أي وقلنا لهم اشكروا