الشفعاء، قالوه اعترافاً بغاية عظمة جناب الله عزو جل، فليس لأحدٍ أن يتكلم إلا بإذنه، ثم وبَّخ تعالى المشركين في عبادتهم غير الخالق الرازق فقال: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السماوات والأرض﴾ أي قل لهم يا محمد من الذي يرزقكم من السموات بإِنزال المطر، ومن الأرض بإخراج النبات والثمرات؟ ﴿قُلِ الله﴾ أي قل لهم: الله الرازق لا آلهتكم، قال ابن الجوزي: وإنما أُمطر عليه السلام أن يسأل الكفار عن هذا احتجاجاً عليهم بأن الذي يرزق هو المستحق للعبادة، وهم لا يثبتون رازقاً سواه، ولهذا جاء الجواب ﴿قُلِ الله﴾ لأنهم لا يجيبون بغير هذا ﴿وَإِنَّآ أَوْ إِيَّاكُمْ لعلى هُدًى أَوْ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ﴾ أي وأحد الفريقين منا أو منكم لعلى هدى أو ضلال بيِّن، وهذا نهاية الإنصاف مع الخصم، قال أبو حيان: أخرج الكلام مخرج الشك، ومعلوم أن من عبد الله وحده كان مهتدياً، ومن عبد غيره من جماد كان ضالاً، وفي هذا إنصافٌ وتلطفٌ في الدعوى، وفيه تعريضٌ بضلالهم وهو أبلغ من الردّ بالصريح، ونحوه قول العرب: أخزى الله الكاذب مني ومنك، مع تيقين أن صاحبه هو الكاذب ﴿قُل لاَّ تُسْأَلُونَ عَمَّآ أَجْرَمْنَا وَلاَ نُسْأَلُ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي لا تؤاخذون على ما ارتكبنا من إجرام، ولا نؤاخذ نحن بما اقترفتم، وإنما يعاقب كل إنسان بجريرته، وهذا ملاطفة وتنزُّلٌ في المجادلة إلى غاياة الإنصاف، قال الزمخشري: وهذا أدخل في الإنصاف وأبلغ من الأول، حيث أسند الإِجرام لأنفسهم والعمل إلى المخاطبين ﴿قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بالحق﴾ أي يجمع الله بيننا وبينكم يوم القيامة ثم يحكم بيننا ويفصل بالحقِّ ﴿وَهُوَ الفتاح العليم﴾ أي وهو الحاكم العادل الذي لا يظلم أحداً، العالم بأحوال الخلق، فيدخل المحقَّ الجنة، والمبطل النار ﴿قُلْ أَرُونِيَ الذين أَلْحَقْتُمْ بِهِ شُرَكَآءَ﴾ توبيخٌ آخر على إشراكهم وإظهارٌ لخطئهم العظيم أي أروني هذه الأصنام التي ألحقتموها بالله وجعلتموها شركاء معه في الألوهية، لأنظر بأي صفةٍ استحقت العبادة مع الذين ليس كمثله شيء؟ قال أبو السعود: وفيه مزيد تبكيتٍ لهم بعد إلزام الحجة عليهم ﴿كَلاَّ بَلْ هُوَ الله العزيز الحكيم﴾ ردعٌّ لهجر وزجر أي ليس الأمر كما زعمتم من اعتقاد شريك له، بل هو الإِله الواحد الأحد، الغالب على أمره، الحكيم في تدبيره لخلقه، فلا يكون له شريك في ملكه أبداً ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَآفَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ أي وما أرسلناك يا محمد للعرب خاصة وإما أرسلناك لعموم الخلق، مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذراً للكافرين من عذاب الجحيم ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي ولكنَّ هؤلاء الكافرين لا يعلمون ذلك فيحملهم جهلهم على ما هم عليه من الغيّ والضلال ﴿وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي ويقول المشركون على سبيل الاستهزاء والسخرية: متى هذا العذاب الذي تخوفوننا به إن كنتم صادقين فيما تقولون؟ والخطاب للنبي والمؤمنين ﴿قُل لَّكُم مِّيعَادُ يَوْمٍ لاَّ تَسْتَأْخِرُونَ عَنْهُ سَاعَةً وَلاَ تَسْتَقْدِمُونَ﴾ أي لكم زمان معيَّن للعذاب يجيء في أجله الذي قدَّره الله له، لا يستأخر لرغبة أحد، ولا يتقدم لرجاء أحد، فلا تستعجلوا عذاب الله فهو آتٍ لا محالة، ثم أخبر تعالى عن تمادي المشركين في العناد والتكذيب فقال {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لَن نُّؤْمِنَ بهذا القرآن