تأويل هذه الرؤيا العجيبة ﴿لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ﴾ أي لأرجع إلى الملك وأصحابه وأخبرهم بها ليعلموا فضلك وعلمك ويخلصوك من محنتك قال الإِمام الفخر: وإنما قال ﴿لعلي أَرْجِعُ إِلَى الناس﴾ لأنه رأى عجز سائر المعبّرين عن جواب هذه المسألة فخاف أن يعجز هو أيضاً عنها فلهذا السبب قال لعلّي ﴿قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً﴾ أي تزرعون سبع سنين دائبين بجدٍ وعزيمة ﴿فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ﴾ أي فما حصدتم من الزرع فاتركوه في سنبله لئلا يسوّس ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ أي إلا ما أردتم أكله فادرسوه واتركوا الباقي في سنبله ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك سَبْعٌ شِدَادٌ﴾ أي ثمَّ يأتي بعد سنيّ الرخاء سبع سنين مجدبات ذات شدة وقحط على الناس ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ أي تأكلون فيها مما ادخرتم أيام الرخاء ﴿إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تُحْصِنُونَ﴾ أي إلا القليل الذي تدخرونه وتخبئونه للزراعة ﴿ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذلك عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ الناس وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ أي ثم يأتي بعد سنيّ القحط والجدب العصيبة عام رخاء، فيه يُمطر الناس ويُغاثون، وفيه يعصرون الأعناب وغيرها لكثرة خصبه، قال الزمخشري: تأول عليه السلام البقرات السمان والسنبلات الخضر بسنين مخاصيب، والعجاف واليابسات بسنين مجدبة، ثم بشّرهم بأن العام الثامن يجيء مباركاً خصيباً، كثير الخير، غزير النعم، وذلك من جهة الوحي ﴿وَقَالَ الملك ائتوني بِهِ﴾ أي ولما رجع الساقي إلى الملك وعرض عليه ما عبَّر به يوسف رؤياه استحسن ذلك فقال: أحضروه لي لأسمع منه تفسيرها بنفسي ولأبصره ﴿فَلَمَّا جَآءَهُ الرسول﴾ أي فلما جاء رسول الملك يوسف ﴿قَالَ ارجع إلى رَبِّكَ﴾ أي قال يوسف للرسول: ارجع إلى سيدك الملك ﴿فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النسوة اللاتي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ﴾ أي سلْه عن قصة النسوة اللاتي قطَّعن أيديهن هل يعلم أمرهنَّ؟ وهل يدري لماذا حُبست ودخلت السجن؟ وأني ظُلمت بسببهنَّ؟ أبى عليه السلام أن يخرج من السجن حتى تُبرأ ساحته من تلك التهمة الشنيعة، وأن يعلم الناس جميعاً أنه حُبس بلا جرم ﴿إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ﴾ أي إنه تعالى هو العالم بخفيات الأمور وبما دبّرن من كيدٍ لي ﴿قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَن نَّفْسِهِ﴾ جمع الملك النسوة ودعا امرأة العزيز معهن فسألهن عن أمر يوسف وقال لهن: ما شأنكن الخطير حين دعوتن يوسف غلى مقارفة الفاحشة؟ ﴿قُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِن سواء﴾ أي معاذ الله أن يكون يوسف أراد السوء، وهو تنزيهٌ له وتعجب من نزاهته وعفته ﴿قَالَتِ امرأت العزيز الآن حَصْحَصَ الحق﴾ أي ظهر وانكشف الحق وبان بعد خفائه ﴿أَنَاْ رَاوَدْتُّهُ عَن نَّفْسِهِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الصادقين﴾ أي أنا التي أغريتُه ودعوتُه


الصفحة التالية
Icon