ومكروه، ولما ذكر جزاء المؤمنين، ذكر عقاب الكافرين، ليظهر التابين بين الجزاءين فقال: ﴿والذين يَسْعَوْنَ في آيَاتِنَا مُعَاجِزِينَ﴾ أي يسعون في الصدِّ عن سبيل الله، واتباع آياته ورسله، معاندين لنا يظنون أنهم يفوتوننا بأنفسهم ﴿أولئك فِي العذاب مُحْضَرُونَ﴾ أي فهم مقيمون في العذاب، محضرون يوم القيامة للحساب ﴿قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرزق لِمَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ﴾ أي قل يا محمد: إن ربي يوسّع الرزق لمن يشاء من خلقه، ويقتّر على من يشاء، فلا تغتروا بالأموال الي رزقكم الله إيَّاها، قال في التسهيل: كررت الآية لاختلاف اقصد، فإنَّ القصد بالأول الكفار، والقصد هنا ترغيب المؤمنين بالإِنفاق ﴿وَمَآ أَنفَقْتُمْ مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ﴾ أي وما أنفقتهم في سبيل الله قليلاً أو كثيراً فإن الله تعالى يعوّضه عليكم إما عاجلاً أو آجلاً ﴿وَهُوَ خَيْرُ الرازقين﴾ أي هو تعالى خير المعطين، فإنَّ عطاء غيره بحساب، وعطاؤه تعالى بغير حساب، قال المفسرون: لما بيَّن أنَّ الإِيمان والعمل الصالح هو الذي يقرّب البعد إلى ربه، ويكون مؤدياً إلى تضعيف حسناته، بيَّن أن نعيم الآخرة لا ينافي سعة الرزق في الدنيا، بل الصالحون قد يبسط لهم الرزق في الدنيا مع ما لهم في الآخرة من الجزاء الأوفى والمثوبة الحسنى بمقتضى الوعد الإلهي ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً﴾ أي واذكر يوم يحشر الله المشركين جيمعاً من تقدم ومن تأخر للحساب والجزاء ﴿ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلاَئِكَةِ أهؤلاء إِيَّاكُمْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ﴾ ؟ الاستفهام للتقريع والتوبيخ للمشركين أي هؤلاء عبدوكم من دوني وأنتم أمرتموهم بذلك؟ قال الزمخشري: هذا الكلام خطاب للملائكة وتقريع للكفار، وارد على المثل السائر «إيَّاك أعني واسمعي يا جارة» ونحوه قوله تعالى
﴿أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله﴾ [المائدة: ١١٦] ٍ؟ وقد علم سبحانه أن الملائكة وعيسى منزهون عما نُسب إليهم، والغرض من السؤال والجواب أن يكون تقريع للمشركين أشدّ، وخجلهم أعظم ﴿قَالُواْ سُبْحَانَكَ أَنتَ وَلِيُّنَا مِن دُونِهِمْ﴾ أي تعاليت وتقدست يا ربنا عن أن يكون معك إله، أنت ربنا ومعبودنا الذي نتولاه ونعبده ونخلص له العبادة، ونحن نتبرأ إليك منهم ﴿بَلْ كَانُواْ يَعْبُدُونَ الجن﴾ أي بل كانوا يعبدون الشياطين لأنهم هم الذي زينوا لهم عبادة غير الله فأطاعوهم ﴿أَكْثَرُهُم بِهِم مُّؤْمِنُونَ﴾ قال القرطبي: أي أكثرهم بالجنّ مصدقون يزعمون أنهم بنات الله، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً قال تعالى رداً على مزاعم المشركين ﴿فاليوم لاَ يَمْلِكُ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ نَّفْعاً وَلاَ ضَرّاً﴾ أي في هذا اليوم يوم الحساب لا ينفع العابدون ولا المعبدون بعضهم لبعض، لا بشفاعة ونجاة، ولا بدفع عذاب وهلاك، قال أبو السعود: يخاطبون بذلك على رؤوس الأشهاد إظهاراً لعجزهم وقصورهم عن نفع عابديهم، وإظهاراً لخيبة رجائهم بالكلية، ونسبة عدم النفع والضر إلى البعض للمبالغة في المقصود، كأن نفع الملائكة لعبدتهم في الاستحالة كنفع العبد لهم ﴿وَنَقُولُ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ﴾ أي ونقول للظالمين الذين عبدوا اغير الله ﴿ذُوقُواْ عَذَابَ النار التي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ أي ذوقوا عذاب جهنم التي كذبتم بها في الدنيا


الصفحة التالية
Icon