إسرافيل ﴿إنَّ له لاثني عشر ألف جناح، منها جناح بالمشرق وجناح بالمغرب، وإن العرش لعلى كاهله» ولو كشف لنا الحجاب لرأينا العجب العجاب، فسبحان الله ما أعظم خلقه، وما أبدع صنعه﴾ ! ثم بيَّن تعالى نفاذ مشيئته، ونفوذ أمره في هذا العالم الذي فطره ومَن فيه، وأخضعه لإرادته وتصرفه فقال: ﴿مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا﴾ أيْ أيُّ شيء يمنحه الله لعباده ويتفضل به علهيم من خزائن رحمته، من نعمةٍ، وصحةٍ، وأمنٍ، وعلمٍ وحكمةٍ، ورزقٍ، وإرسال رسلٍ لداية الخلق، وغير ذلك من صنوف نعمائه التي لا يحيط بها عدٍّ، فلا يقدر أحدٌ على إمساكه وحرمان خلق الله منه، فهو الملك الوهاب الذي لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع ﴿وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ﴾ أيْ وأيُّ شيء يمسكه ويحبسه عن خلقه من خيري الدنيا والآخةر، فلا أحد يقدر على منحه للعباد بعد أن أمسكه جلا علا ﴿وَهُوَ العزيز الحكيم﴾ أي هو تعالى الغالب على كل شيء، الحكيم في صنعه، الذي يفعل ما يريد على مقتضى الحكمة والمصلحة، قال المفسرون: والفتحُ والإِمساك عبارة عن العطاء والمنع، فهو الذي يضر وينفع، ويعطي ويمنع، وفي الحديث:
«أَحَقُّ مَا قَالَ العَبْدُ وَكُلُّنَا لَكَ عَبْجٌ: اللَّهُمَّ لا مَانِعَ لِمَا أَعْطَيْتَ، وَلا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعْتَ، وَلا يَنْفَعُ ذا الجَدِّ منك الجَدّ» ثم ذكَّرهم تعالى بنعمه الجليلة عليهم فقال: ﴿ياأيها الناس اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ﴾ أي اشكروا ركبم على نعمه التي لا تُعدُّ ولا تُحْصى التي أنعم بها عليكم، قال الزمخشري: ليس المراد بذكر النعمة ذكرها باللسان فقط، ولكن المراد حفظها من الكفران، وشكرها بمعرفة حقها، والاعتراف بها، وإِطاعة موليها، ومنه قول الرجل لمن أنعم عليه: أذكرْ أياديَّ عندك ﴿هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ الله﴾ استفهام إنكاري بمعنى النفي أي لا خالق غيره تعالى، لا ما تعبدون من الأصنام ﴿يَرْزُقُكُمْ مِّنَ السمآء والأرض﴾ أي حال كونه تعالى هو المنعم على العباد بالرزق والعطاء، فهو الذي ينزل المطر من السماء، ويخرج النبات من الأرض، فكيف تشركون معه ما لا يخلق ولا يرزق من الأوثان والأصنام؟ ولهذا قال تعالى بعده: ﴿لاَ إله إِلاَّ هُوَ﴾ أي لا ربَّ ولا معبود إلا الله الواحد الأحد ﴿فأنى تُؤْفَكُونَ﴾ أي فكيف تُصرفون بعد هذا البيان، ووضوح البرهان، إلى عبادة الأوثان؟ والغرض: تذكير الناس بنعم الله، وإقامة الحجة على المشركين، قال ابن كثير: نبّه تعالى عباده وأرشدهم إلى الاستدلال على توحيده، بوجوب إفراد العبادة له، فكما أنه المستقل بالخلق والرزق، فكذلك يجب أن يُفرد بالعبادة، ولا يُشرك به غيره من الأصنام والأوثان ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ﴾ تسلية للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على تكذيب قومه له والمعنى: وإن يكذبك يا محمد هؤلاء المشركون فلا تحزن لتكذيبهم، فهذه سنة الله في الأنبياء من قبلك، فقد كُذّبوا واُوذوا حتى أتاهم نصرنا، فلك بهم أسوة، ولا بدَّ أن ينصرك الله عليهم ﴿وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأمور﴾ أي إلى الله تعالى وحده مرجع أمرك وأمرهم، وسيجازي كلاً بعمله، وفيه وعيد وتهديد للمكذبين.
ثم ذكَّرهم تعالى بذلك الموعد المحقَّق فقال: ﴿ياأيها الناس إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي إن وعده لكم بالبعث والجزاء حقٌّ ثابتٌ لا محالة