بالأوزار أحداً ليحمل عنها بعض أوزارها لا يتحمل عنها ولو كان المدعو قريباً لها كالأب والابن، فلا غياث يومئذٍ لمن استغاث، وهو تأكيد لما سبق في أن الإِنسان لا يتحمل ذنب غيره، قال الزمخشري: فإن قلت فما الفرق بين الآيتين؟ قلت: الأول في الدلالة على عدل الله تعالى في حكمه، وأنه تعالى لا يؤاخذ نفساً بغير ذنبها، والثاني في أنه لا غياث يومئذٍ لمن استغاث ﴿إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب﴾ أي إنما تنذر يا محمد بهذا القرآن الذين يخافون عقاب ربهم يوم القيامة ﴿وَأَقَامُواْ الصلاة﴾ أي وأدوا الصلاة على الوجه الأكمل، فضموا إلى طهرة نفوسهم طهارة أبدانهم بالصلاة المفروضة في أوقاتها ﴿وَمَن تزكى فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ﴾ أي ومن طهَّر نفسه من أدناس المعاصي فإنما ثمرة ذلك التطهر عائدة عليه، فصلاحه وتقواه مختص به ولنفسه ﴿وَإِلَى الله المصير﴾ أي إليه تعالى وحده مرجع الخلائق يوم القيامة فيجازي كلاً بعمله، وهو إخبار متضمنٌ معنى الوعيد ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأعمى والبصير﴾ هذا مثلٌ ضربه الله للمؤمن والكافر أي كما لا يتساوى الأعمى مع البصير فكذلك لا يتساوى المؤمن المستنير بنور القرآن، والكافر الذي يتخبط في الظلام، ﴿وَلاَ الظلمات وَلاَ النور﴾ أي لا يتساوى كذلك الكفر والإِيمان، كما لا يتساوى النور الظلام ﴿وَلاَ الظل وَلاَ الحرور﴾ أي وكذلك لا يستوي الحقُّ والباطل، والهدى والضلال كما لا يستوي الظل الظليل مع شدة حر الشمس والمتوهجة، قال المفسرون: ضرب الله الظل مثلاً للجنة وظلها الظليل، وأشجارها اليانعة تجري من تحت الأنهار، كماجعل الحرور مثلاً للنار وسعيرها، وشدة أوارها وحرها، وجعل الجنة مستقراً للأبرار، والنار مستقراً للفجار كما قال تعالى:
﴿لاَ يستوي أَصْحَابُ النار وَأَصْحَابُ الجنة﴾ [الحشر: ٢٠] ثم أكد ذلك فقال: ﴿وَمَا يَسْتَوِي الأحيآء وَلاَ الأموات﴾ أي كما لا يستوي العقلاء والجهلاء، قال أبو حيان: وترتيب هذه الأشياء في بيان عدم الاستواء جاء في غاية الفصاحة، فقد ذكر الأعمى والبصير مثلاً للمؤمن والكافر، فذكر ما عليه الكافر من ظلمة الكفر، وما عليه المؤمن من نور الإِيمان، ثم ذكر مآلهما وهو الظلُ والحرور، فالمؤمن بإيمانه في ظل وراحة، والكافر بكفره في حر وتعب، ثم ذكر مثلاً آخر على أبلغ وجه وهي الحيُّ والميت، فالأعمى قد يكون فيه بعض النفع بخلاف الميت، وجمع الظلمات لأن طرق الكفر متعددة، وأفرد النور لأن التوحيد والحق واحدٌ لا يتعدد، وقدَّم الأشرف في المثلين الأخيرين وهما «الظل، والحيُّ» وقدَّم الأوضح في المثلين الأولين وهما «الأعمى، والظلمات» ليظهر الفرق جلياً، ولا يقال ذلك لأجل السجع لأن معجرة القرأن ليست في مجرد اللفظ، بل في المعنى أيضاً، فالله سرُّ القرآن، ثم زاد في الإِيضاح والبيان فقال: ﴿إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَآءُ وَمَآ أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي القبور﴾ أي إن اله يسمع من يشاء إسماعه دعوة الحق، فيحبِّبه بالإِيمان ويشرح صدره للإِسلام، وما أنت يا محمد بمسمع هؤلاء الكفار، لأنهم أموات القلوب لا يدركون ولا يفقهون، قال ابن الجوزي: أراد بمن في القبور الكفار، وشبههم بالموتى، أي فكما لا يقدر أن يسمع من في القبور كتاب الله وينتفع بمواعظه، فكذلك من كان ميّت القلب لا ينتفع بما