السماوية هو الفضل العظيم الذي لا يدانيه فضل ولا شرف، فقد تفضل الله عليهم بهذا القرآن المجيد، الباقي مدى الدهر، وأنعم به من فضل! ثم أخبر تعالى عما أعده للمؤمنين في جنات النعيم فقال: ﴿جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا﴾ أي جنات إقامة ينعَّمون فيها بأنواع النعيم، وهي مراتب ودرجات متفاوتة حسب تفاوت الأعمال، وإنما جمع ﴿الجَنَّاتُ﴾ لأنها جنات كثيرة وليس جنة واحدة، فهناك جنة الفردوس، جنة عدن، وجنة النعيم، وجنة المأوى، وجنة الخلد، وجنة السلام، وجنة عليين، وفي كل جنة مراتبُ ونُزلٌ بحسب مراتب العاملين ﴿يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤاً﴾ أي يزينون في الجنة بأساور من ذهب مرصَّعة باللؤلؤ ﴿وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ﴾ أي وجميع ما يلبسونه في الجنة من الجرير، بل فرشهم وستورهم كذلك، قال القرطبي: لما كانت الملوك تلبس في الدنيا الأساور والتيجان، جعل الله ذلك لأهل الجنة، وليس أحد من أهل الجننة إلا في يده ثلاثة أسورة: سوارٌ من ذهب، وساور من فضة، وسوار من لؤلؤ ﴿وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي أَذْهَبَ عَنَّا الحزن﴾ أي وقالوا عند دخولهم الجنة الحمدُ لله الذي أذهب عنا جميع الهموم والأكدار والأحزان، قال المفسرون: عبَّر بالماضي ﴿وَقَالُواْ﴾ لتحقق وقوعه، والحزن يعمُّ كل ما يكدِّر صفو الإِنسان من خوف المرض، والفقر، والموت، وأهوال القيامة، وعذاب النار وغير ذلك ﴿إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ﴾ إي واسع المغفرة للمذنبيين، شكور لطاعة المطيعين، وكلا اللفظتين للمبالغة أي واسع الغفران عظيم الشكر والإِحسان ﴿الذي أَحَلَّنَا دَارَ المقامة مِن فَضْلِهِ﴾ أي أنزلنا الجنة وأسكننا فيها، وجعلها مقراً لنا وسكناً، لا نتحول عنها أبداً، وكل ذلك من إنعامه وتفضله علينا ﴿لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ﴾ أي لا يصيبنا فيها تعب ولا مشقة ﴿وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ أي ولا يصيبنا فيها إِعياءٌ ولا فتور، قال ابن جزي: وإنما سميت الجنة ﴿دَارَ المقامة﴾ لأنهم يقومون فيها ويمكثون ولا يُخرجون منها، والنَّصبُ تعبُ البدن، واللغوبُ تعب النفس الناشىء عن تعب البدن.
. ولما ذكر تعالى حال السعداء الأبرار، ذكر حال الأشقياء الفجار فقال: ﴿والذين كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ﴾ أي والذين جحدوا بآيات الله وكذبوا رسله فإِنَّ لهم نار جهنم المستعرة جزاءً وفاقاً على كفرهم ﴿لاَ يقضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ﴾ أي لا يحكم عليهم بالموت فيها حتى يستريحوا من عذاب النار ﴿وَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِّنْ عَذَابِهَا﴾ أي ولا يخفف عنهم شيء من العذاب، بل هم في عذاب دائم مستمر لا ينقطع كقوله: ﴿كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيراً﴾ [الإِسراء: ٩٧] ﴿كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ﴾ أي مثل ذلك العذاب الشديد الفظيع، نجازي ونعاقب كل مبالغ في الكفر والعصيان ﴿وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ أي وهم يتصارخون في جهنم ويستغيثون برفع أصواتهم قائلين: ربنا أخرجنا من النار وردنا إلى الدنيا لنعمل عملاً صالحاً يقربنا منك، غير الذي كنا نعمله، قال القرطبي: أي نؤمن بدل الكفر، ونطيع بدل المعصية، ونمتثل أمر الرسل.. وفي قولهم: ﴿غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ﴾ اعترافٌ بسور