الاستكبار والمكر السيىء يعني أن الحامل لهم على الابتعاد من الحق هو الاستكبار، والمكرُ السيىءُ وهو الخداع الذي يرمونه برسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والكيد له، قال تعالى رداً عليهم: ﴿وَلاَ يَحِيقُ المكر السيىء إِلاَّ بِأَهْلِهِ﴾ أي ولا يحيط وبال المكر السيىء إلا بمن مكره ودبَّره كقولهم: من حفر حفرة لأخيه وقع فيها.
﴿فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ سُنَّتَ الأولين﴾ أي فهل ينتظر هؤلاء المشركون إلا عادة الله وسنته في الأمم المتقدمة، من تعذيبهم وإهلاكهم بتكذيبهم للرسل؟ ﴿فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَبْدِيلاً﴾ أي لن تتغير ولن تتبدل سنته تعالى في خلقه ﴿وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ الله تَحْوِيلاً﴾ أي ولا يستطيع أحد أن يحوّل العذاب عنهم إلى غيرهم، قال القرطبي: أجرى الله العذاب على الكفار، فلا يقدر أحد أن يُبدّل ذلك، ولا أن يُحوّل العذاب عن نفسه إلى غيره، والسُّنة هي الطريقة.. ثم حثهم تعالى على مشاهدة آثار من قبلهم من المكذبين ليعتبروا فقال: ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ ؟ أولم يسافروا ويمروا على القرى المهلكة فيروا آثار دمار الأمم الماضية حين كذبوا رسلهم ماذا صنع الله بهم؟ ﴿وكانوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ أي وكانوا أقوى من أهل مكة أجساداً، وأكثر منهم أموالاً وأولاداً ﴿وَمَا كَانَ الله لِيُعْجِزَهُ مِن شَيْءٍ فِي السموات وَلاَ فِي الأرض﴾ أي أنه سبحانه لا يفوته شيء، ولا يصعب عليه أمر في هذا الكون ﴿إِنَّهُ كَانَ عَلِيماً قَدِيراً﴾ أي بالغ العلم والقدرة، عالم بشؤون الخلق، قادر على الانتقام ممن عصاه ﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ الله الناس بِمَا كَسَبُواْ مَا تَرَكَ على ظَهْرِهَا مِن دَآبَّةٍ﴾ بيانٌ لحلم الله ورحمته بعباده أي لو آخذهم بجميع ذنوبهم ما ترك على ظهر الأرض أحداً يدب عليها من إنسان أو حيوان، قال ابن مسعود: يريد جميع الحيوان مما دبَّ ودرج ﴿ولكن يُؤَخِّرُهُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي ولكنه تعالى من رحمته بعباده، ولظفه بهم، يمهلهم إلى زمن معلوم وهو يوم القيامة فلا يعجل لهم العذاب ﴿فَإِذَا جَآءَ أَجَلُهُمْ فَإِنَّ الله كَانَ بِعِبَادِهِ بَصِيراً﴾ أي فإذا جاء ذلك الوقت جازاهم بأعمالهم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، لأنه تعالى العالم بشؤونهم المطلع على أحوالهم، قال ابن جرير: بصيراً بمن يستحق العقوبة، وبمن يستوجب الكرامة، وفي الآية وعيدٌ للمجرمين ووعد للمتقين.
البَلاَغَة: تضمنت الآيات الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
١ - الإِطناب بتكرير الفعل ﴿لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ﴾ للمبالغة في انتفاء كل منهما استقلالاً، وكذلك الإِطناب في قوله: ﴿وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِلاَّ مَقْتاً وَلاَ يَزِيدُ الكافرين كُفْرُهُمْ إِلاَّ خَسَاراً﴾ لزيادة التشنيع والتقبيح على مَن كفر بالله.
٢ - التهكم في صغية الأمر ﴿فَذُوقُواْ فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ﴾ مثل ﴿ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم﴾ [الدخان: ٤٩].
٣ - المبالغة مثل ﴿غَفُورٌ، شَكُورٌ، كَفُورٍ﴾ ومثل ﴿حَلِيماً، عَلِيماً، قَدِيراً﴾ فإنها من صيغ المبالغة.