أي إلا أن تُغلبوا فلا تقدّروا على تخليصه، ولا يبقى لكم طريق أو حيلة إلى ذلك قال مجاهد: إلا أن تموتوا كلُّكم فيكون ذلك عذراً عندي ﴿فَلَمَّآ آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ﴾ أي فلما حلفوا له وأعطوه العهد المؤكد ﴿قَالَ الله على مَا نَقُولُ وَكِيلٌ﴾ أي الله شهيد رقيب على ذلك ﴿وَقَالَ يابني لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ﴾ أي لا تدخلوا مصر من بابٍ واحد قال المفسرون: خاف عليهم من العين إن دخلوا مجتمعين إذ كانوا أهل جمالٍ وهيبة، والعينُ حقٌ تُدخل الرجلَ القبرَ، والجملَ القِدر كما جاء في الحديث ﴿وَمَآ أُغْنِي عَنكُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ﴾ أي لا أدفع عنكم بتدبيري شيئاً مما قضاه الله عليكم، فإن الحذَر لا يدفع القدر ﴿إِنِ الحكم إِلاَّ للَّهِ﴾ أي ما الحكم إلا لله جلَّ وعلا وحده لا يشاركه أحد، ولا يمانعه شيء ﴿عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ﴾ أي عليه وحده اعتمدت وبه وثقت ﴿وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون﴾ أي وعليه فليعتمدْ أهل التوكل والإيمان، ولْيفوضوا أمورهم إليه ﴿وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم﴾ أي دخلوا من الأبواب المتفرقة كما أوصاهم أبوهم ﴿مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُمْ مِّنَ الله مِن شَيْءٍ﴾ أي ما كان دخولهم متفريقن ليدفع عنهم من قضاء الله شيئاً ﴿إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا﴾ أي إلا خشية العين شفقةً منه على بنيه ﴿وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ﴾ أي وإن يعقوب لذو علمٍ واسع لتعليمنا إياه بطريق الوحي، وهذا ثناءٌ من الله تعالى عظيمٌ على يعقوب، لأنه علم بنور النبوة أن القدر لا يدفعه الحذر ﴿ولكن أَكْثَرَ الناس لاَ يَعْلَمُونَ﴾ أي لا يعلمون ما خصَّ الله به أنبياءه وأصفياءه من العلوم التي تنفعهم في الدارين.
البَلاغَة: ١ - ﴿إني أرى سَبْعَ بَقَرَاتٍ﴾ صيغة المضارع لحكاية الحال الماضية.
٢ - ﴿سِمَانٍ... وعِجَافٌ﴾ بينهما طباقٌ وكذلك بين ﴿خُضْرٍ... ويَابِسَاتٍ﴾ طباقٌ.
٣ - ﴿أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ﴾ هذا من أَبلغ أَنواع الاستعارة وألطفها فإن الأضغاث هو المختلط من الحشيش المضموم بعضه إِلى بعض، فشبه اختلاط الأحلام وما فيها من المحبوب والمكروه، والخير والشر باختلاط الحشيش المجموع من أصناف كثيرة.
٤ - ﴿يُوسُفُ أَيُّهَا الصديق﴾ هذا من براعة الاستهلال فقد قدَّم الثناء قبل السؤال طمعاً في إجابة مطلبه.
٥ - ﴿يَأْكُلْنَ مَا قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ﴾ فيه مجاز عقلي لأن السنين لا تأكل وإنما يأكل الناس ما ادَّخروه فيها، فهو من باب الإِسناد إلى الزمان كقول الفصحاء: نهارُ الزاهدِ صائم وليلُه قائم.
٦ - ﴿لأَمَّارَةٌ بالسواء﴾ لم يقل آمرة مبالغة في وصف النفس بكثرة الدفع في المهاوي، والقود إلى المغاوي لأن «فعّال» من أبنية المبالغة.
٧ - ﴿فَعَرَفَهُمْ وَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ﴾ بين عرف وأنكر طباقٌ.
٨ - ﴿لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وادخلوا مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ﴾ فيه إطناب وهو زيادة اللفظ على المعنى، وفائدتُه تمكين المعنى من النفس، وفيه أيضاً من المحسنات البديعية ما يسمى «طباق السلب».
فَائِدَة: أثنى رسول اله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ على يوسف الصدِّيق في كرمه وصبره وحلمه فقال: «لو لبثتُ في السجن ما لبثَ يوسفُ لأجبتُ الداعي» وكفى بهذا برهاناً على عفة يوسف ونزاهته عليه السلام.