يبعث الأسى ويثير الأحزان قال الشاعر:
فقلت له إن الأسى يبعث الأسى | فدعْني فهذا كله قبر مالك |
﴿قَالُواْ تَالله تَفْتَؤُاْ تَذْكُرُ يُوسُفَ﴾ أي لا تفتأ ولا تزال تذكر يوسف وتتفجع عليه
﴿حتى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الهالكين﴾ أي حتى تكون مريضاً مشرفاً على الهلاك أو تهلك أسىً وحسرة وتموت
﴿قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى الله﴾ أي قال لهم يعقوب: لستُ أشكو غميّ وحزني إليكم وإنما أشكو ذلك إلى الله فهو الذي تنفع الشكوى إليه
﴿وَأَعْلَمُ مِنَ الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ﴾ أي أعلم من رحمته وإحسانه ما لا تعلمون أنتم فأرجو أن يرحمني ويلطف بي ويأتيني بالفرج من حيث لا أحتسب
﴿يابني اذهبوا فَتَحَسَّسُواْ مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ﴾ أي اذهبوا إلى الموضع الذي جئتم منه فالتمسوا يوسف وتعرّفوا على خبره وخبر أخيه بحواسكم
﴿وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ الله﴾ أي لا تقنطوا من رحمة الله وفرجه وتنفيسه
﴿إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ الله إِلاَّ القوم الكافرون﴾ أي فإنه لا يقنط من رحمته تعالى إلا الجاحدون المنكرون لقدرته جلَّ وعلا
﴿فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَيْهِ قَالُواْ ياأيها العزيز مَسَّنَا وَأَهْلَنَا الضر﴾ في الكلام محذوف أي فخرجوا راجعين إلى مصر فدخلوا على يوسف فلما دخلوا قالوا يا أيها العزيز أصابنا وأهلنا الشدة من الجدب والقحط
﴿وَجِئْنَا بِبِضَاعَةٍ مُّزْجَاةٍ﴾ أي وجئنا ببضاعة رديئة مدفوعة يدفعها كل تاجر رغبة عنها واحتقاراً قال ابن عباس: كانت دراهمهم رديئة لا تقبل في ثمن الطعام، أظهروا له الذل والانكسار استرحاماً واستعطافاً
﴿فَأَوْفِ لَنَا الكيل﴾ أي أتمم لنا الكيل ولا تنقصْه لرداءة بضاعتنا
﴿وَتَصَدَّقْ عَلَيْنَآ﴾ أي بردّ أخينا إلينا أو بالمسامحة عن رداءة البضاعة
﴿إِنَّ الله يَجْزِي المتصدقين﴾ أي يثيب المحسنين أحسن الجزاء.
. ولما بلغ بهم الأمر إلى هذا الحد من الاسترحام والضيق والانكسار أدركته الرأفة فباح لهم بما كان يكتمه من أمره
﴿قَالَ هَلْ عَلِمْتُمْ مَّا فَعَلْتُم بِيُوسُفَ وَأَخِيهِ إِذْ أَنتُمْ جَاهِلُونَ﴾ ؟ أي هل تذكرون ما فعلتم بيوسف وأخيه حال شبابكم وطيشكم؟ والغرض تعظيم الواقعة كأنه يقول: ما أعظم ما ارتكبتم في يوسف وما أقبح ما أقدمتم عليه! قال أبو السعود: وإنما قاله نصحاً لهم، وتحريضاً على التوبة، وشفقةً عليهم
﴿قالوا أَءِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ﴾ أي قال إخوته متعجبين مستغربين: أأنت يوسف حقاً؟
﴿قَالَ أَنَاْ يُوسُفُ وهذا أَخِي﴾ أي قال: نعم أنا يوسف وهذا أخي الشقيق
﴿قَدْ مَنَّ الله عَلَيْنَآ﴾ أي منَّ علينا بالخلاص من البلاء، والاجتماع بعد الفرقة، والعزة بعد الذلة
﴿إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَِصْبِرْ فَإِنَّ الله لاَ يُضِيعُ أَجْرَ المحسنين﴾ أي لا يبطل أجرهم ولا يضيع إحسانهم بل يجزيهم عليه أوفى الجزاء قال البيضاوي: ووضع المحسنين موضع الضمير للتنبيه على أن المحسن من جمع بين التقوى والصبر
﴿قَالُواْ تالله لَقَدْ آثَرَكَ الله عَلَيْنَا﴾ اعترافٌ بالخطيئة وإقرار بالذنب أي والله لقد فضَّلك الله علينا بالتقوى والصبر، والعلم والحلم
﴿وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ﴾ أي وحالُنا وشأننا أننا كنا مذنبين بصنيعنا الذي صنعنا بك، ولذلك أعزَّك الله وأذلنا، وأكرمك وأهاننا
﴿قَالَ لاَ تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليوم﴾ أي قال لهم يوسف: