والأنداد، فأنا مؤمن موحِّد ولست من المشركين ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نوحي إِلَيْهِمْ﴾ إي وما آرسلنا من قبلك يا محمد إلا رجالاً من البشر لا ملائكة من السماء قال الطبري: أي رجالاً لا نساءً ولا ملائكة نوحي إليهم آياتنا للدعاء إلى طاعتنا، والآية ردٌّ على من أنكر أن يكون النبي من البشر، أو زعم أن في النساء نبيات ﴿مِّنْ أَهْلِ القرى﴾ أي من أهل المُدن والأمصار لا من أهل البوادي قال الحسن: لم يبعث الله نبياً من أهل البادية قط ولا من النساء ولا من الجن قال المفسرون: وإنما كانوا من أهل الأمصار لأنهم أعلم وأحلم، وأهل البوادي فيهم الجهل والجفاء والقسوة ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُواْ فِي الأرض فَيَنظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الذين مِن قَبْلِهِمْ﴾ أي أفلم يسر هؤلاء المكذبون في الأرض فينظروا نظر تفكر وتدبر ما حلَّ بالأمم السابقين ومصارع المكذبين فيعتبرون بذلك؟ والاستفهام للتوبيخ ﴿وَلَدَارُ الآخرة خَيْرٌ لِّلَّذِينَ اتقوا﴾ أي الدار الآخرة خير للمؤمنين المتقين من هذه الدار التي ليس فيها قرار ﴿أَفَلاَ تَعْقِلُونَ﴾ أي أفلا تعقلون فتؤمنون!! ﴿حتى إِذَا استيأس الرسل﴾ أي يئس الرسل من إيمان قومهم ﴿وظنوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُواْ﴾ أي أيقن الرسل أن قومهم كذّبوهم ﴿جَآءَهُمْ نَصْرُنَا﴾ أي أتاهم النصر عند اشتداد الكرب، ففي اللحظة التي تستحكم فيها الشدة، ويأخذ فيها الكرب بالمخانق، ولا يبقى أملٌ في غير الله، في هذه اللحظة يجيء النصر كاملاً حاسماً فاصلاً ﴿فَنُجِّيَ مَن نَّشَآءُ﴾ أي فنجينا الرسل والمؤمنين بهم دون الكافرين ﴿وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ القوم المجرمين﴾ أي ولا يُردُّ عذابنا وبطشنا عن المجرمين إذا نزل بهم ﴿لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لأُوْلِي الألباب﴾ أي لقد كان في قصة يوسف وإِخوته عظة وتذكرة لأولي العقول النيِّرة ﴿مَا كَانَ حَدِيثاً يفترى﴾ أي ما كان هذا القرآن أخباراً تُروى أو أحاديث تختلق ﴿ولكن تَصْدِيقَ الذي بَيْنَ يَدَيْهِ﴾ أي ولكن كان هذا القرآن مصدقاً لما سبقه من الكتب السماوية المنزّلة من قبل ﴿وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ﴾ أي تبيان كل ما يُحتاج إليه من أحكام الحلال والحرام، والشرائع والأحكام ﴿وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ أي وهداية من الضلالة ورحمة من العذاب لقوم يصدّقون به ويعملون بأوامره ونواهيه.
البَلاغَة: ١ - ﴿تالله إِنَّكَ لَفِي ضَلاَلِكَ﴾ أكدوا كلامهم بالقسم وإنَّ واللام وهذا الضرب يسمى (إنكارياً) لتتابع أنواع المؤكدات.
٢ - ﴿ادخلوا مِصْرَ إِن شَآءَ الله آمِنِينَ﴾ جملة ﴿إِن شَآءَ الله﴾ دعائيةٌ جيء بها للتبرك وفي الآية تقدمي وتأخير تقديره: ادخلوا مصر آمنين إن شاء الله.
٣ - ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً﴾ أبواه المراد به الأب والأم فهو من باب التغليب، والرفع مؤخر عن الخرور وإن تقدم لفظاً للاهتمام بتعظيمه لهما أي سجدوا له ثم أجلس أبويه على عرش الملك.
٤ - ﴿وَمَآ أَكْثَرُ الناس وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ﴾ جملة ﴿وَلَوْ حَرَصْتَ﴾ اعتراضية بين اسم ﴿مَا﴾ الحجازية وخبرها، وجيء بهذا الاعتراض لإفادة أن الهداية بيد الله جل وعلا وحده.


الصفحة التالية
Icon