ضياء الحق، والمشرك الذي عمي عن رؤية ذلك الضياء، فالفارق بين الحق والباطل واضحٌ وضوح الفارق بين الأعمى والبصير، والفارق بين الإيمان والضلال ظاهر ظهور الفارق بين النور والظلام ﴿أَمْ جَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ خَلَقُواْ كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الخلق عَلَيْهِمْ﴾ هذا من تمام الاحتجاج عليهم والتهكم بهم أي أم اتخذ هؤلاء المشركون آلهةً خلقوا مخلوقاتٍ كالتي خلقها الله فالتبس الأمر عليهم فلا يدرون خلق الله مِن خلق آلهتهم؟ وهو تهكم لاذع فإنهم يرون كل شيء من خلق الله، ويرون هذه الآلهة المزعومة لم تخلق شيئاً ثم بعد هذا كلّه يعبدونها من دون الله، وذلك أسخف وأحط ما تصل إليه عقول المشركين، ولما أقام الحجة عليهم جاء بهذا البيان الواضح ﴿قُلِ الله خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الواحد القهار﴾ أي الله الخالق لجميع الأشياء لا خالق غيره، وهو المنفرد بالألوهية والربوبية، الغالب لكل شيء، وجميعُ الأشياء تحت قدرته وقهره.
البَلاغَة: في الآيات الكريمة من وجوه الفصاحة والبيان والبديع ما يلي:
١ - الإِشارة بالبعيد عن القريب في ﴿تِلْكَ آيَاتُ الكتاب﴾ تنزيلاً لها منزلة البعيد للدلالة على علو شأنها ورفعة منزلتها و (أل) في الكتاب للتفخيم أي الكتاب العجيب الكامل في إعجازه وبيانه.
٢ - الاستعارة التبعية في ﴿يُغْشِي اليل النهار﴾ شبّه إزالة نور النهار بواسطة ظلمة الليل بالغطاء الكثيف واستعار لفظ ﴿يُغْشِي﴾ المشير إلى تغطية الأشياء الظاهرة بالأغطية الحسية للأمور المعنوية.
٣ - الطباق في ﴿تَغِيضُ.... تَزْدَادُ﴾ وفي ﴿الغيب والشهادة﴾ وفي ﴿أَسَرَّ.... جَهَرَ﴾ وفي ﴿مُسْتَخْفٍ.... وَسَارِبٌ﴾ لأن السارب الظاهر وفي ﴿خَوْفاً وَطَمَعاً﴾ وفي ﴿طَوْعاً وَكَرْهاً﴾ وكلها من المحسنات البديعية اللفظية.
٤ - الإِيجاز بالحذف في ﴿قُلِ الله﴾ أي اللهُ خالقُ السماوات والأرض.
٥ - التشبيه التمثيلي في ﴿كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ﴾ شبَّه عدم استجابة الأصنام للداعين لها بعدم استجابة الماء لباسط كفيه إليه من بُعْد فوجه الشبه منتزع من متعدد.
٦ - الاستعارة في ﴿هَلْ يَسْتَوِي الأعمى والبصير أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظلمات والنور﴾ استعار لفظ الظلمات والنور للفكر والإِيمان وكذلك لفظ الأعمى للمشرك الجاهل والبصير للمؤمن العاقل.
تنبيه: سميت الملائكة معقبات لأنهم يتعاقبون على أعمال العباد بالليل والنهار كما في البخاري «يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار فيجتمعون في صلاة الفجر والعصر... » الحديث.
فَائِدَة: روي عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان إذا سمع صوت الرعد يقول:» سبحان من يسبّح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير «وكان أبو هريرة يقول من قالها فأصابته صاعقةٌ فعليَّ ديته.