هذه المنازل العالية بأعمالهم، فترفع منازل هؤلاء إكراماً لأولئك وذلك فضل الله، ثم إنَّ لهم إكراماً آخر بيّنه بقوله ﴿وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِّن كُلِّ بَابٍ﴾ أي والملائكةُ تدخل عليهم للتهنئة من كل باب من أبواب الجنة يقولون لهم ﴿سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ﴾ أي سلمتم من الآفات والمحن بصبركم في الدنيا، ولئن تعبتم فيما مضى فلقد استرحتم الساعة، وهذه بشارة لهم بدوام السلامة ﴿فَنِعْمَ عقبى الدار﴾ أي نعمت هذه العاقبة الحميدة عاقبتكم وهي الجنة بدل النار، ولما ذكر تعالى أوصاف المؤمنين التسع أعقبه بذكر أوصاف الكافرين الذميمة فقال ﴿والذين يَنقُضُونَ عَهْدَ الله مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ﴾ أي ينقضون عهودهم بعدما وثقوا على أنفسهم لله أن يعملوا بما عهد إليهم من طاعته والإيمان به ﴿وَيَقْطَعُونَ مَآ أَمَرَ الله بِهِ أَن يُوصَلَ﴾ أي يقطعون الرحم التي أمر الله بوصلها ﴿وَيُفْسِدُونَ فِي الأرض﴾ ﴿أولئك لَهُمُ اللعنة﴾ أي أولئك الموصوفون بما ذُكر من القبائح لهم البعد من رحمته، والطردُ من جنته ﴿وَلَهُمْ سواء الدار﴾ أي لهم ما يسوءهم في الدار الآخرة وهو عذاب جهنم على عكس المتقين ﴿الله يَبْسُطُ الرزق لِمَنْ يَشَآءُ وَيَقَدِرُ﴾ أي يوسّع على من يشاء من عباده ويضيّق على من يشاء حسب الحكمة والمصلحة ﴿وَفَرِحُواْ بالحياة الدنيا﴾ أي وفرح هؤلاء المشركون بنعيم الدنيا فرح أشَر وبطر، وهو إخبار في ضمنه ذم وتسفيه لمن فرح بالدنيا ولذلك حقّرها بقوله ﴿وَمَا الحياة الدنيا فِي الآخرة إِلاَّ مَتَاعٌ﴾ أي قليل وشيء حقير بالنظر إلى الآخرة ﴿وَيَقُولُ الذين كَفَرُواْ لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ﴾ أي ويقول كفار مكة هلاّ أُنزل على محمد معجزة من ربه مثل معجزة موسى في فلق البحر، ومعجزة عيسى في إحياء الموتى ونحو ذلك ﴿قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَن يَشَآءُ ويهدي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ﴾ أي قل لهم يا محمد الأمر بيد الله وليس إليَّ، يُضلُّ من يشاء إضلاله فلا تغني عنه الآياتُ والنُذُّر شيئاً، ويرشد إلى دينه من أراد هدايته لأنه رجع إلى ربه بالتوبة والإِنابة قال في التسهيل: خرج بالكلام مخرج التعجب حين طلبوا آية والمعنى قد جاءكم محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ بالقرآن وآياتٍ كثيرة فعميتُم عنها، وطلبتم غيرها، وتماديتم على الكفر فإنه تعالى يضل من يشاء مع ظهور الآيات، ويهدي من يشاء دون ذلك ﴿الذين آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله﴾ هذا بدلٌ والمعنى يهدي أهل الإِنابة وهم الذين آمنوا وتسكن وتستأنس قلوبهم بذكر الله وتوحيده، وجيء بصيغة المضارع لإِفادة دوام الاطمئنان واستمراره ﴿أَلاَ بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ القلوب﴾ أي ألا فانتبهوا أيها القوم فإن بذكر الله تستأنس وتسكن قلوب المؤمنين، فلا يشعرون بقلق واضطراب من سوء العقاب، على عكس الذين أذا ذكر الله اشمأزتْ قلوبُهم ﴿الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات طوبى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ﴾ أي أما المؤمنون أهل الأعمال الصالحة فقرة عينٍ لهم ونعم ما يلقون من الهناءة والسعادة في المرجع والمنقلب قال ابن عباس: ﴿طوبى لَهُمْ﴾ فرحٌ وقرة عين ﴿كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ في أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهَآ أُمَمٌ﴾ أي كما أرسلنا الأنبياء من قبلك كذلك أرسلناك يا محمد في أمة قد مضت قبلها أمم كثيرة، فهي آخر الأمم وأنتَ خاتم الأنبياء ﴿لِّتَتْلُوَاْ عَلَيْهِمُ الذي أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ﴾ أي لتبلّغهم هذا الوحي العظيم والذكر الحكيم ﴿وَهُمْ يَكْفُرُونَ بالرحمن﴾ أي والحال أنهم يكفرون بالرحمن الذي وسعت رحمته كل شيء {قُلْ هُوَ رَبِّي لا


الصفحة التالية
Icon