معه من أصنام وأنداد في منتهى العجز والحقارة والجهالة، قل لهم يا محمد: سمّوهم لنا وصفوهم لننظر هل لهم ما يستحقون به العبادة والشركة مع الله؟ ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض﴾ أي أم تخبرون الله بشركاء لا يعلمهم سبحانه وهو استفهام للتوبيخ ﴿أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول﴾ أي أم تسمونهم شركاء بظنٍ باطلٍ فاسد لا حقيقة له، لفرط الجهل وسخافة العقل ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ مَكْرُهُمْ﴾ أي زيَّن لهم الشيطان ذلك الكفر والضلال ﴿وَصُدُّواْ عَنِ السبيل﴾ أي مُنعوا عن طريق الهدى ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾ أي ومن يضلله الله فما له أحدٌ يهديه ﴿لَّهُمْ عَذَابٌ فِي الحياة الدنيا﴾ أي لهؤلاء الكفرة عذاب عاجل في هذه الحياة الدنيا بالقتل والأسر وسائر المحن ﴿وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَقُّ﴾ أي ولعذابهم في الآخرة أثقل وأشد إيلاماً من عذاب الدنيا ﴿وَمَا لَهُم مِّنَ الله مِن وَاقٍ﴾ أي وليس لهم من يحميهم من عذاب الله أو يدفع عنهم سخطه وانتقامه.
البَلاَغَة: ١ - ﴿أَنَزَلَ مِنَ السمآء مَآءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ..﴾ الآية شبّه تعالى الحق والباطل بتشبيه رائع يسمى «التشبيه التمثيلي» لأن وجه الشبه فيه منتزعٌ من متعدد، فمثَّل الحق بالماء الصافي الذي يستقر في الأرض، والجوهر الصافي من المعادن الذي به ينتفع العباد، ومثَّل الباطل بالزبد والرغوة التي تظهر على وجه الماء، والخبث من الجوهر الذي لا يلبث أن يتلاشى ويضمحل، والصورة التي توحي بها الآية «صورة الحق والباطل» وهما في صراع كالزبد الذي تتقاذفه الأمواج ﴿فَأَمَّا الزبد فَيَذْهَبُ جُفَآءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ الناس فَيَمْكُثُ فِي الأرض﴾ وهو تمثيل في منتهى الروعة والجمال.
٢ - ﴿فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا﴾ مجاز عقلي من إسناد الشيء لمكانه والأصل فسالت مياه الأودية.
٣ - ﴿كذلك يَضْرِبُ الله الحق والباطل﴾ فيه إيجاز بالحذف أي أمثال الحق وأمثال الباطل.

٤ - ﴿لِلَّذِينَ استجابوا والذين لَمْ يَسْتَجِيبُواْ﴾ بينهما طباق السلب.
٥ - ﴿كَمَنْ هُوَ أعمى﴾ شبّه الجهل والكفر بالعمى على سبيل الاستعارة التبعية لأن المراد بالأعمى الجاهل الكافر.
٦ - ﴿سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾ بينهما طباق وكذلك بين ﴿الحسنة السيئة﴾ و ﴿يَبْسُطُ وَيَقَدِرُ﴾ و ﴿يُضِلُّ ويهدي﴾ للتضاد بين اللفظين.
٧ - ﴿إِلاَّ مَتَاعٌ﴾ أي إلا مثل المتاع الذي يستمتع به الإنسان في الحاجات الموقتة ففيه تشبيه بليغ لحذف الأداة ووجه الشبه.
فَائِدَة: بيَّن تعالى في قوله ﴿وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ﴾ أن النسب لا ينفع إذا لم يحصل معه العمل الصالح، وفيه قطع للأطماع الفارغة لمن يتمسك بمجرد حبل الأنساب.
تنبيه: قال الإمام الطيبي في قوله تعالى ﴿أَفَمَنْ هُوَ قَآئِمٌ على كُلِّ نَفْسٍ﴾ في هذه الآية احتجاج بليغ مبنيٌّ على فنون من علم البيان أولها: التوبيخ لهم على قياسهم الفاسد في عبادة غير الله ثانيها: وضع الظاهر موضع الضمير ﴿كَسَبَتْ وَجَعَلُواْ للَّهِ شُرَكَآءَ﴾ تنبيهاً على ضلالهم في جعل شركاء لمن هو فردٌ واحد لا يشاركه أحد في اسمه ثالثها: إنكار لوجود الشركاء على وجه برهاني ﴿قُلْ سَمُّوهُمْ﴾ رابعها: نفي الشيء بنفي لازمه ﴿أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ﴾ خامسها: الاحتجاج عليهم بطريق التدرج لبعثهم على التفكر ﴿أَم بِظَاهِرٍ مِّنَ القول﴾ أي أتقولون بأفواهكم من غير روية ولا تفكير ببطلان ما


الصفحة التالية
Icon