على الكفر، كما وعَدَ بالزيادة على الشكر ﴿وَقَالَ موسى إِن تكفروا أَنتُمْ وَمَن فِي الأرض جَمِيعاً﴾ أي وقال موسى لبني إِسرائيل بعد أن أيس من إيمانهم لئن كفرتم أنتم وجميع الخلائق فلن تضروا الله شيئاً ﴿فَإِنَّ الله لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ﴾ أي هو غنيٌّ عن شكر عباده، مستحق للحمد في ذاته وهو المحمود وإن كفره من كفره ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الذين مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ﴾ أي ألم يأتكم أخبار من قبلكم من الأمم المكذبة كقوم نوح وعاد وثمود ماذا حلَّ بهم لما كذبوا بآيات الله ﴿والذين مِن بَعْدِهِمْ﴾ أي والأمم الذين جاءوا بعدهم ﴿لاَ يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ الله﴾ أي لا يحصي عددهم إلا الله ﴿جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بالبينات﴾ أي بالحجج الواضحات، والدلائل الباهرات ﴿فردوا أَيْدِيَهُمْ في أَفْوَاهِهِمْ﴾ أي وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيباً لهم وقال ابن مسعود: عضوا أصابعهم غيظاً ﴿وقالوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ﴾ أي كفرنا بما زعمتم أن الله أرسلكم به ﴿وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ﴾ أي في شك عظيم من دعوتكم، وقلق واضطراب من دينكم ﴿قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي الله شَكٌّ﴾ أي أجابهم الرسل بقولهم: أفي وجود الله ووحدانيته شك؟ والاستفهام للإنكار والتوبيخ لأنه لا يحتمل الشك لظهور الأدلة ولهذا لفتوا الانتباه إلى براهين وجوده بقولهم ﴿فَاطِرِ السماوات والأرض﴾ أي خالقهما ومبدعهما على غير مثال سابق ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ مِّن ذُنُوبِكُمْ﴾ أي يدعوكم إلى الإِيمان ليغفر لكم ذنوبكم ﴿وَيُؤَخِّرَكُمْ إلى أَجَلٍ مُّسَمًّى﴾ أي إن آمنتم أمدَّ في أعماركم إلى منتهى آجالكم ولم يعاقبكم في العاجل فيهلككم ﴿قالوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا﴾ أي ما أنتم إلا بشر مثلنا لا فضل لكم علينا ﴿تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُنَا﴾ أي تريدون أن تصرفونا عن عبادة الأوثان التي كان عليها آباؤنا ﴿فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ﴾ أي فأتونا بحجة ظاهرة على صدقكم ﴿قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ أي قالت الرسل: نحن كما قلتم بشر مثلكم ﴿ولكن الله يَمُنُّ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ﴾ أي يتفضل على من يشاء بالنبوة والرسالة قال الزمخشري: لم يذكروا فضلهم تواضعاً منهم وسلّموا لقولهم وأنهم بشرٌ مثلُهم في البشرية وحدها، فأمّا ما وراء ذلك فما كانوا مثلهم ﴿وَمَا كَانَ لَنَآ أَن نَّأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلاَّ بِإِذْنِ الله﴾ أي وما ينبغي لنا أن نأتيكم بحجة وآية مما اقترحتموه علينا إلا بمشئية الله وإذنه ﴿وَعلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المؤمنون﴾ أي على الله وحده فليعتمد المؤمنون في جميع أمورهم ﴿وَمَا لَنَآ أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى الله﴾ أي قالت الرسل: أيُّ شيء يمنعنا من التوكل على الله؟ ﴿وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا﴾ أي والحال أنه قد بصّرنا طريق النجاة من عذابه ﴿وَلَنَصْبِرَنَّ على مَآ آذَيْتُمُونَا﴾ أي ولنصبرنَّ على أذاكم قال ابن الجوزوي: وإنما قُصَّ هذا وأمثاله على نبينا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ليقتدي بمن قبله في الصبر وليعلم ما جرى لهم ﴿وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ المتوكلون﴾ ليس هذا تكراراً وإنما معناه الثبات على التوكل أي فليدوموا وليثبتوا على التوكل عليه وحده، وهنا يسفر الطغيان عن وجهه متبجحاً بالقوة المادية التي يملكها المتجبرون {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِّنْ أَرْضِنَآ أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي


الصفحة التالية
Icon