المنَاسَبة: لمّا ذكر تعالى بالدلائل الحسية والسمعية انفراده بالألوهية وأن لا معبود إِلا الله، ذكر هنا أبا الأنبياء «إِبراهيم» عليه السلام حصن التوحيد، ومبالغته في هدم الشرك والأوثان، ثم ذكر موقف الظالمين يوم الدين، وما يعتريهم من الذل والهوان في يوم الحشر الأكبر.
اللغَة: ﴿واجنبني﴾ أبعدني ونحّني يقال: جَنب وجنَّب وأصله جعل الشيء في جانب آخر ﴿تَشْخَصُ﴾ شخَص البصر: إِذا بقيت العين مفتوحة لا تغمض من هول ما ترى ﴿مُهْطِعِينَ﴾ مسرعين يقال أهطع إهطاعاً إذا أسرع قال الشاعر:
بدجلةَ دارهُم ولقد أَراهم | بدجلةَ مُهْطعينَ إِلى السَّماع |
التفسِير: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجعل هذا البلد آمِناً﴾ أي اجعل مكة بلد آمنٍ يأمن أهله وساكنوه ﴿واجنبني وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأصنام﴾ أي احمني يا رب وجنبني وأولادي عبادة الأصنام، والغرضُ تثبيتُه على ملة التوحيد والإِسلام ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ الناس﴾ أي يا ربّ إنَّ هذه الأصنام أضلَّت كثيراً من الخلق عن الهداية والإِيمان ﴿فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي﴾ أي فمن أطاعني وتبعني على التوحيد فإِنه من أهل ديني ﴿وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ أي ومن خالف أمري فإِنك يا رب غفار الذنوب رحيمٌ بالعباد ﴿رَّبَّنَآ إني أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي﴾ كرّر النداء رغبةً في الإِجابة وإِظهاراً للتذلل والإلتجاء إلى الله تعالى أي يا ربنا إني أسكنت من أهلي - ولدي إسماعيل وزوجي هاجر - ﴿بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ المحرم﴾ أي بوادٍ ليس فيه زرع في جوار بيتك المحرم، وهو وادي مكة شرفها الله تعالى ﴿رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصلاة فاجعل أَفْئِدَةً مِّنَ الناس تهوي إِلَيْهِمْ﴾ أي ربنا لكي يعبدوك ويقيموا الصلاة أسكنتهم بهذا الوادي فاجعل قلوبَ الناسِ تحنُّ وتسرع إِليهم شوقاً قال ابن عباس: لو قال: (أفئدة الناس) لازدحمت عليه فارس والروم والناسُ كلهم، ولكنْ قال ﴿مِّنَ الناس﴾ فهم المسلمون ﴿وارزقهم مِّنَ الثمرات لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ﴾ أي وارزقهم في ذلك الوادي القفر من أنواع الثمار ليشكروك على جزيل نِعمك، وقد استجاب الله دعاءه فجعل مكة حرماً آمناً يجبى إليها ثمرات كل شيء رِزقاً من عند الله ﴿رَبَّنَآ إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ﴾ أي يا ربنا إنك العالم لما في القلوب تعلم ما نسرُّ وما نظهر ﴿وَمَا يخفى عَلَى الله مِن شَيْءٍ فَي الأرض وَلاَ فِي السمآء﴾ أي لا يغيب عليه تعالى شيء في الكائنات، سواء منها ما كان في الأرض أو في السماء، فكيف تخفى عليه وهو خالقها وموجدها؟ ﴿الحمد للَّهِ الذي وَهَبَ لِي عَلَى الكبر إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ﴾ أي الحمد لله الذي رزقني على كبر سني وشيخوختي إسماعيل وإسحاق قال ابن عباس: ولد له إِسماعيل وهو ابن تسعٍ