وهذا تمثيلٌ لكمال قدرته، وتصوير لسرعة وجودها من غير أني كون هناك أمرٌ ومأمور.. ثم عاد إلى ذم المجادلين في آيات الله بالباطل فقال ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الذين يُجَادِلُونَ في آيَاتِ الله أنى يُصْرَفُونَ﴾ الاستفهام للتعجيب أي ألا ترى السامع وتعجبْ من حال هؤلاء المكابرين، الذين يجادلون في آيات الله الواضحة، كيف تُصرف عقولهم عن الهدى إلى الضلال؟ ثم بيَّنهم بقوله ﴿الذين كَذَّبُواْ بالكتاب وَبِمَآ أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا﴾ أي الذين كذبوا بالقرآن، وبسائر الكتب والشرائع السماوية ﴿فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ﴾ وعيدٌ وتهديد أي سوف يعلمون عاقبة تكذيبهم ﴿إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ والسلاسل﴾ أي حين يدخلون النار، وتربط أيديهم إلى أعناقهم بالأغلال والسلاسل ﴿يُسْحَبُونَ فِي الحميم ثُمَّ فِي النار يُسْجَرُونَ﴾ أي يسحبون بتلك السلاسل في الماء الحارِّ المسخّن بنار جهنم، ثم يُوقدون ويحرقون فيها قال ابن كثير: ومعنى الآية أن السلاسل متصلة بالأغلال وهي بأدي الزبانية، يسحبونهم على وجوههم تارةً إلى الحميم، وتارة إلى الجحيم كما قال تعالى
﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ﴾ [الرحمن: ٤٤] ﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ الله﴾ أي ثم قيل لهم تبكيتاً: أين هم الأوثان والأصنام التي كنتم تعبدونها وتجعلونها شركاء لله؟ ﴿قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا﴾ أي فيقولون: غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا نستشفع بهم ﴿بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً﴾ أي بل لم نكن نعبد شيئاً قال المفسرون: جحدوا عبادتهم، وإنما فعلوا ذلك لحيرتهم واضطرابهم ﴿كَذَلِكَ يُضِلُّ الله الكافرين﴾ أي مثل إضلال هؤلاء المذكبين يضلُّ الله كل كافر ﴿ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾ أي ذلكم العذاب بما كنتم تظهرونه في الدنيا من السرور بالمعصية وكثرة المال وإِنفاقه في المحرمات ﴿وَبِمَا كُنتُمْ تَمْرَحُونَ﴾ أي وبسبب بطركم وأشركم وخيلائكم قال الصاوي: وهذاوإن كان ذماً في الكفار، إلا أنه يجرُّ بذيله على كل من توسَّع في معاصي الله، فله من هذا الوعيد نصيب ﴿ادخلوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي ادخلوا من أبواب جهنم السبعة المقسومة لكم ماكثين فيها أبداً ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى المتكبرين﴾ أي بئست جهنم مقراً وسكناً للمستكبرين عن آيات الله، المعرضين عن دلائل الإِيمان والتوحيد، وإنما قال ﴿مَثْوَى المتكبرين﴾ ولم يقل فبئس مدخل المكبرين وهو مقتضى النظم، لأن الدخول لا يدوم، وإنما يدوم المثوى ولذا خصه بالذمِّ ﴿فاصبر إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ﴾ أي فاصبر يا محمد على تكذيب قومك لك، فإِن وعد الله بتعذيبهم كائنٌ لا محالة قال الصاوي: هذا تسلية من الله لنبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ووعدٌ حسن بالنصر له على أعدائه ﴿فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الذي نَعِدُهُمْ﴾ أي إنْ أريناك بعض الذي نعدهم من العذاب، وجواب الشرط محذوفٌ تقديره فذلك هو المطلوب، أو لتقرَّ به عينُك ﴿أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ﴾ أي أو نتوفينَّك يا محمد قبل إنزال العذاب عليهم، فإِلينا مرجعهم يوم القيامة فننتقم منهم أشدَّ الانتقام، ثم أخبره تعالى بأنباء الرسل تسليةً له عليه السلام فقال ﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ﴾ أي والله لقد بعثنا يا محمد رسلاً كثيرين قبلك، وأيدناهم بالمعجزات