﴿صَرْصَر﴾ الصَّرْصر: الريح الباردة العاصفة مع الصوت الشديد ﴿نَّحِسَاتٍ﴾ مشئومات من النَّحس بمعنى الشؤم وهو ضدُّ السَّعد قال الشاعر: _
_سواءٌ عليه أيَّ حسنٍ أتيته _
_ أساعة نحسٍ تُتَّقى أم بأسعد_
_ ﴿أخزى﴾ أشد إهانةً وإِذلالاً من الخزي بمعنى الإِهانة ﴿الهون﴾ الإِهانة والذل.
التفسِير: ﴿حم﴾ الحروف المقطعة للتنبيه على إعجاز القرآن ﴿تَنزِيلٌ مِّنَ الرحمن الرحيم﴾ أي هذا القرآن المجيد منزَّل من الرحمن الرحيم، أنزله جل وعلا رحمة بعباده، وإِنما خصَّ هذين الإِسمين ﴿الرحمن الرحيم﴾ إشارة إلى أن نزوله من أكبر النعم، ولا شك أن القرآن نعمة باقية إلى يوم القيامة ﴿كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي كتابٌ جامع للمصالح الدينية والدنيوية، بُيِّنت معانيه، ووُضِّحت أحكامه، بطريق القصص والمواعظ والأحكام والأمثال، في غاية البيان والكمال ﴿قُرْآناً عَرَبِيّاً﴾ أي في حال كونه قرآناً عربياً، واضحاً جلياً نزل بلسان العرب ﴿لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ أي لقومٍ يفهمون تفاصيل آياته، ودلائل إعجازه، فإِنه في أعلى طبقات البلاغة، ولا يتذوق أسراره إلا من كان عالماً بلغة العرب ﴿بَشِيراً وَنَذِيراً﴾ أي مبشراً للمؤمنين بجنات النعيم، ومنذراً للكافرين بعذاب الجحيم ﴿فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾ أي فأعرض أكثر المشركين عن تدبير آياته مع كونه نتزل بلغتهم، فهم لا يسمعون سماع تفكر وتأمل قال أبو حيان: المعنى أعرض أكثر أولئك القوم مع كونهم من أهل العلم، ولكن لم ينظروا النظر التام بل أعرضوا، فهم لإِعراضهم لا يسمعون ما احتوى عليه من الحجج والبراهين وقال القرطبي: السورةُ نزلت تقريعاً وتوبيخاً لقريش في إعجاز القرآن، فهم لا يسمعون سماعاً ينتفعون به، ثم أخبر تعالى عن عتوهم وضلالهم فقال ﴿وَقَالُواْ قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ أي وقالوا للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حين دعاهم إلى الإِيمان: قلوبنا في أغطية متكاثفة، لا يصل إليها شيءٌ مما تدعونا إليه من التوحيد والإِيمان ﴿وَفِي آذانِنَا وَقْرٌ﴾ أي وفي آذاننا صممٌ وثقلٌ يمنعنا من فهم ما تقول قال الصاوي: شبهوا أسماعهم بآذانٍ فيها صمَمٌ، من حيث إنها تمدُّ الحقَّ ولا تميل إلى استماعه ﴿وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ﴾ أي وبيننا وبينك يا محمد حاجز يمنع أن يصل إلينا شيء مما تقول، فنحن معذورون في عدم اتباعك، لوجود المانع من جهتنا وجهتك ﴿فاعمل إِنَّنَا عَامِلُونَ﴾ أي اعملْ أنت على طريقتك، ونحن على طريقتنا، واستمرَّ على دينك فإنا مستمرون على ديننا ﴿قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ﴾ أي قل يا محمد لأولئك المشركين: لستُ إلا بشراً مثلكم خصّني الله بالرسالة والوحي، وأنا داعٍ لكم إلى توحيد خالقكم وموجودكم، الذي قامت الأدلة العقلية والشرعية على وحدانيته ووجوده، فلا داعي إلى تكذيبي ﴿فاستقيموا إِلَيْهِ واستغفروه﴾ أي توجهوا إليه بالاستقامة على التوحيد والإِيمان، والإِخلاص في الأعمال، واسألوه المغفرة لسالف الذنوب ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِينَ الذين لاَ يُؤْتُونَ الزكاة﴾ أي دمارٌ وهلاك للمشركين الذين لا يفعلون


الصفحة التالية
Icon