للسماء: أطلعي شمسك وقمرك ونجومك، وقال للأرض: شققي أنهارك وأخرجي شجرك وثمارك طائعتين أو كارهتين «قالتا أتينا أمرك طائعتين» واختاره ابن جرير ﴿فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سماوات فِي يَوْمَيْنِ﴾ أي صنعنَّ وأبدع خلقهن سبع سمواتٍ في وقت مقدَّر بيومين، فتمَّ خلق السموات والأرض في ستة أيام، ولو شاء لخلقهنَّ بلمح البصر، ولكنْ أراد أن يعلّم عباده الحلم والأناة ﴿وأوحى فِي كُلِّ سَمَآءٍ أَمْرَهَا﴾ أي أوحى في كل سماء ما أراده، وما أمر به فيها قال ابن كثير: أي رتَّب في كل سماء ما تحتاج إليه من الملائكة وما فيها من الأشياء التي لا يعلمها إلا هو ﴿وَزَيَّنَّا السمآء الدنيا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً﴾ أي وزينَّا السماءَ الأولى القريبة منكم، بالكواكب المنيرة المشرقة على أهل الأرض، وحرساً من الشياطين أن تستمع إل الملأ الأعلى ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم﴾ أي ذلك المذكور من الخلق والإِيداع هو صنع الله، العزيز في ملكه، العليم بمصالح خلقه ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ﴾ أي حين جاءتهم الرسلُ من كل جوانبهم، واجتهدوا في هدايتهم من كل جهة، وأعملوا فيهم كل حيلة، فلم يروا منهم إلا العتوَّ والإِعراض ﴿أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله﴾ أي بأن لا تعبدوا إلاّ اللهَ وحده ﴿قَالُواْ لَوْ شَآءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً﴾ أي فإن أعرضوا عن الإيمان بعد هذا البيان، فقل لهم: إني أخوفكم عذاباً هائلاً مثل هلاك عاد وثمود، وعبَّر بالماضي إشارةً إلى تحققه وحصوله ﴿إِذْ جَآءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ﴾ أي ولو شاء ربُّنا إرسالَ رسولٍ لجعله ملكاً لا بشراً ﴿فَإِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ إي فإنا كافرون برسالتكم، لا نتبعكم وأنتم بشرٌ مثلُنا، وفي قولهم ﴿بِمَآ أُرْسِلْتُمْ﴾ ضربٌ من التهكم والسخرية بهم ﴿فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض بِغَيْرِ الحق﴾ هذا تفصيلٌ لما حلَّ بعاد وثمود من استحقاقٍ للتعظم والاستعلاء ﴿وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً﴾ ؟ أي وقالوا اغتراراً بقوتهم لمّا خُوّفوا بالعذاب: لا أحد أقوى منا فنحن نستطيع أن ندفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوتنا قال أبو السعود: كانوا ذوي أجسام طوال، وخلق عظيم، وقد بلغ من قوتهم أن الرجل كان ينزع الصخرة من الجبل فيقتلعها بيده ﴿أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾ جملة اعتراضية للتعجيب من مقالتهم الشنيعة والمعننى أغفلوا عن قدرة الله ولم يعلموا أن الله العظيم الجليل الذي خلقهم وخلق الكائنات، وهو أعظم منهم قوةً وقدرة؟ ﴿وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ﴾ أي وكانوا بمعجزاتنا يجحدون قال الرازي: إنهم كانوا يعرفون أنها حقٌّ ولكنهم جحدوا كما يجحد المودعُ الوديعة ﴿فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً﴾ أي فأرسلنا على عاد ريحاً باردة شديدة البرد، وشديدة الصوت والهبوب، تُهلك بشدة صوتها وبردها ﴿في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ﴾ أي في أيامٍ مشئومات غير مباركات ﴿لِّنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا﴾ أي لكي نذيقهم العذاب المخزي المذل في الدنيا قال الرازي: ﴿عَذَابَ الخزي﴾ أي عذاب الهوان والذل، والسبب أنهم استكبروا عن الإِيمان،


الصفحة التالية
Icon