تُرْجَعُونَ} أي وإِليه وحده تُردون بالبعث قال أبو السعود: المعنى ليس نطقنا بعجبٍ من قدرة الله، الذي أنطق كل حي، فإِن من قدر على خلقكم وإِنشائكم أولاً، وعلى إعادتكم ورجعكم إلى جزائه ثانياً، لا يُتعجب من إِنطاقه لجوارحكم ﴿وَمَا كُنتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَن يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلاَ أَبْصَارُكُمْ وَلاَ جُلُودُكُمْ﴾ أي وما كنتم تستخفون من هؤلاء الشهود في الدنيا حين مباشرتكم الفواحش، لأنكم لم تظنوا أنها تشهد عليكم قال البيضاوي: أي كنتم تستترون عن الناس عند ارتكاب الفواحش مخافة الفضيحة، وما ظننتم أن أعضاءكم تشهد عليكم فمنا استخفيتم منها، وفيه تنبيهٌ على أن المؤمن ينبغي ألاَّ يمر عليه حالٌ إلا وعليه رقيب ﴿ولكن ظَنَنتُمْ أَنَّ الله لاَ يَعْلَمُ كَثِيراً مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ أي ولكنْ ظننتم أن الله تعالى لا يعلم كثيراً من القبائح المخفية، ولذلك اجترأتم على المعاصي والآثام ﴿وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الذي ظَنَنتُم بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ﴾ أي وذلكم الظنُّ القبيح برب العالمين أنه لا يعلم كثيراً من الخفايا هو الذي أوقعكم في الهلاك والدمار فأوردكم النار ﴿فَأَصْبَحْتُمْ مِّنَ الخاسرين﴾ أي فخسرتم سعادتكم وأنفسكم وأهليكم، وهذا تمام الخسران والشقاء ﴿فَإِن يَصْبِرُواْ فالنار مَثْوًى لَّهُمْ﴾ أي فإِن يصبروا على العذاب فالنارُ مقامهم ومنزلهم، لا محيد ولا محيص لهم عنها ﴿وَإِن يَسْتَعْتِبُواْ فَمَا هُم مِّنَ المعتبين﴾ أي وإن يطلبوا إرضاء الله، فما هم من المرضي عليهم، قال القرطبي: والعُتبى: رجوعُ المعتوب عليه إلى ميُرضي العاتب، تقول: استَعتبتُه فأعْتبني أي استرضيتُه فأرضاني ﴿وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَآءَ﴾ أي هيأنا للمشركين ويسَّرنا لهم قرناء سوء من الشياطين، ومن غواة الإِنس ﴿فَزَيَّنُواْ لَهُم مَّا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ﴾ أي حسَّنوا لهم أعمالهم القبيحة، الحاضرة والمستقبلة قال ابن كثير: حسنوا لهم أعمالهم فلم يروا أنفسهم إلا محسنين ﴿وَحَقَّ عَلَيْهِمُ القول﴾ أي ثبت وتحقق عليهم كلمة العذاب، وهو القضاء المحتَّم بشقائهم ﴿في أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمْ مِّنَ الجن والإنس﴾ أي في جملة أمم من الأشقياء المجرمين قد مضت من قبلهم، ممن فعلوا كفعلهم من الجنِّ والإِنس ﴿إِنَّهُمْ كَانُواْ خَاسِرِينَ﴾ تعليلٌ لاستحقاقهم العذاب أي لأنهم كانوا من الخاسرين في الدنيا والآخرة، فلذلك استحقوا العذاب الأبدي ﴿وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لاَ تَسْمَعُواْ لهذا القرآن﴾ لما أخبر تعالى عن كفر عاد وثمود وغيرهم، أخبر عن مشركي قريش وأنهم كذبوا القرآن والمعنى قال الكافرون بعضهم لبعض لا تستمعوا لمحمد إذا قرأ القرآن، وتشاغلوا عنه.
﴿والغوا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾ أي ارفعوا أصواتكم عند قراءته حتى لا يسمعه أحد لكي تغلبوه على دينه قال ابن عباس: قال أبو جهل إذا قرأ محمد فصيحوا في وجهه حتى لا يدري ما يقول ﴿فَلَنُذِيقَنَّ الذين كَفَرُواْ عَذَاباً شَدِيداً﴾ أي فوالله لنذيقنَّ هؤلاء المستهزئين عذاباً شديداً لا يخف ولا ينقطع ﴿وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الذي كَانُواْ يَعْمَلُونَ﴾ أي ولنجازيهنم بشر أعمالهم، وسيء أفعالهم، أسوأُ وأقبح الجزاء ﴿ذَلِكَ جَزَآءُ أَعْدَآءِ الله النار﴾ أي ذلك العذاب الشديد الذي هو أسوأُ الجزاء هو نار جهنم جزاء المجرمين، أعداء الله ورسوله ﴿لَهُمْ فِيهَا دَارُ الخُلْدِ﴾ أي لهم في جهنم دار الإِقامة، لا يخرجون منها أبداً {جَزَآءً


الصفحة التالية
Icon