القيامة؟ قال الرازي: والغرضُ التنبيهُ على أن الملحدين في آيات الله يُلقون في النار، وأن المؤمنين بآيات الله يكونون آمنين يوم القيمة، وشتَّان ما بينهما ﴿اعملوا مَا شِئْتُمْ﴾ أي افعلوا ما تشاءون في هذه الحياة، وهو تهديدٌ لا إباحة ملفَّع بظل الوعيد، بدليل قوله تعالى ﴿إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ أي هو تعالى مطّلع على أعمالكم، لا تخفى عليه خافية، من أحوالكم، وسيجازيكم عليها ﴿إِنَّ الذين كَفَرُواْ بالذكر لَمَّا جَآءَهُمْ﴾ أي إن الذين كذبوا بالقرآن حين جاءهم من عند الله، وخبر «إنَّ» محذوفٌ لتهويل الأمر كأنه قيل: سيجازون يكفرهم جزاءً لا يكاد يوصف لشدة بشاعته وفظاعته ﴿وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ﴾ أي وإِنه لكتاب غالب بقوة الحجة، لا نظير له لما احتوى عليه من الإِعجاز، يدفع كل جاحج، ويقمع كلَّ معاند ﴿لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ﴾ أي لا يتطرق إليه الباطل من جهةٍ من الجهات، ولا مجال للطعن فيه قال ابن كثير: أي ليس للبطلان إليه سبيل، لأنه منزَّل من رب العالمين ﴿تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ أي هو تنزيلٌ من إله حكيم في تشريعه وأحواله وأفعاله، محمود من خلقه بسبب كثرة نعمه.
. ثم سلَّى تعالى نبيَّه على ما يصيبه من أذى الكفار فقال ﴿مَّا يُقَالُ لَكَ إِلاَّ مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِن قَبْلِكَ﴾ أي ما يقول لك كفار قومك، إلاّ ما قد قال الكفار للرسل قبلهم من الكلام المؤذي، والطعن فيما أنزل الله قال القرطبي: يُعزّي نبيه ويُسلّيه من أذى وتكذيب قومه ﴿إِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ وَذُو عِقَابٍ أَلِيمٍ﴾ إي إن ربك يا محمد لهو الغفور لذنوب المؤمنين، ذو العقاب الشديد للكافرين، ففوِّضْ أمرك إليه فإنه ينتقم من أعدائك، ثم ذكر تعالى تعنُّت الكافرين ومكابرتهم للحقِّ بعد سطوعه وظهوره فقال ﴿وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أعْجَمِيّاً﴾ أي لو أنزلنا هذا القرآن بلغة العجم ﴿لَّقَالُواْ لَوْلاَ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ﴾ أي لقال المشركون: هلاَّ بُيّنت آياته بلسانٍ نفهمه وهلاَّ نزل بلغتنا ﴿ءَاعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ﴾ ؟ استفهام إنكاري أي أقران أعجميٌ ونبيٌ عربي؟ قال الرازي: ذكروا أن الكفار كانوا يقولون لتعنتهم: هلاَّ نزول القرآن بلغة العجم؟ ﴿فأجيبوا بأن الأمر لو كان كما تقترحون لم تتركوا الاعتراض، ثم قال: والحقُّ عندي أن هذه السورة من أولها إلى آخرها كلام واحدٌ متعلق بعضُه ببعض، وقد حكى تعالى عنهم في أول السورة أهم قالوا {قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٥] فردَّ تعالى عليهم هنا بأنه لو أنزل هذا القرآن بلغة العجم لكان لهم أن يقولوا: كيف أرسلت الكلام العجمي إلى القوم العرب} ﴿ولصحَّ لهم أن يقولوا {قُلُوبُنَا في أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٥] لأنا لا نفهمه ولا نحيط بمعناه} ! أما وقد نزل بلغة العرب، وهم من أهل هذه اللغة، فكيف يمكنهم أن يقولوا ذلك؟ فظهر أن الآية على أحسن وجوه النظم {قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُواْ


الصفحة التالية
Icon