بعد أسلافهم السابقين ﴿لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ﴾ أي لفي شك من التوراة والإِنجيل، موقع لهم في أشد الحيرة والريبة، لأنهم ليسوا على يقين من أمر دينهم وكتابهم، وإنما هم مقلدون لآبائهم وأسلافهم، بلا دليل ولا برهان قال البيضاوي: لا يعلمون كتابهم كما هو ولا يؤمنون به حق الإِيمان، فهم في شك مقلق ﴿فَلِذَلِكَ فادع واستقم كَمَآ أُمِرْتَ﴾ أي فلأدل الذي وصينا به جميع المرسلين قبلك، فادع يا محمد إليه ولزم النهج القويم مع الاستقامة كما أمرك ربك ﴿وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَآءَهُمْ﴾ أي ولا تتبع أهواء المشركين الباطلة فيما يدعونك إليه من ترك دعوة التوحيد ﴿وَقُلْ آمَنتُ بِمَآ أَنزَلَ الله مِن كِتَابٍ﴾ أي صدَّقت بكل كتابٍ أنزله الله تعالى قال الرازي: يعني الإِيمان بجميع الكتب السماوية، لأن أهل الكتاب المتفرقين في دينهم آمنوا ببعضٍ وكفروا ببعض ﴿وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ﴾ أي وأمرني ربي بأن أعدل بينكم في الحكم قال ابن جزي: يعني العدل في الأحكام إذا تخاصموا إليه ﴿الله رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ﴾ أي الله خالقنا جميعاً ومتولي أمورنا فيجب أن نفرده بالعبادة ﴿لَنَآ أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ﴾ أي لنا جزاء أعمالنا ولكم جزاء أعمالكم، من خير أو شرٍّ، لا نستفيد من حسناتكم ولا نتضرر من سيئاتكم قال ابن كثير: هذا تبرؤٌ منهم أي نحن برآء منكم كقوله تعالى
﴿وَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل لِّي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُمْ بريائون مِمَّآ أَعْمَلُ وَأَنَاْ برياء مِّمَّا تَعْمَلُونَ﴾ [يونس: ٤١] ﴿لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ﴾ أي لا جدال ولا مناظرة بيننا وبينكم، فإن الحقَّ قد ظهر وبَانَ كالشمس في رابعة النهار، وأنتم تعاندون وتكابرون ﴿الله يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ المصير﴾ أي الله يجمع بيننا يوم القيامة لفصل القضاء، وإليه المرجع والمآب فيجازي كل أحدٍ بعمله من خير وشر قال الصاوي: والغرضُ أن الحقَّ قد ظهر، والحجج قد قامت، فلم يبق إلا العناد، وبعد العناد لا حجة ولا جدل، والله يفصل بين الخلائق يوم المعاد، ويجازي كلاً بعمله ﴿والذين يُحَآجُّونَ فِي الله﴾ أي يخاصمون في دينه لصدِّ الناس عن الإِيمان ﴿مِن بَعْدِ مَا استجيب لَهُ﴾ أي من بعد ما استجاب الناسُ له ودخلوا في دينه ﴿حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِندَ رَبِّهِمْ﴾ أي حجتهم باطلة لا ثبوت لها عند الله قال ابن عباس: نزلت في طائفةٍ من بني إسرائيل همَّت برد الناس عن الإِسلام وإضلالهم ومحاجتهم بالباطل ﴿وَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ﴾ أي وعليهم غضب عظيم في الدنيا، وعذاب شديد في الآخرة، ﴿الله الذي أَنزَلَ الكتاب بالحق﴾ أي نزَّل القرآن وسائر الكتب الإِلهية متلبساً بالصدق القاطع، والحقِّ الساطع، في أحكامه وتشريعاته وأخباره ﴿والميزان﴾ أي ونزَّل الميزان أي العدل والإِنصاف، فهو من تسمية الشيء باسم السبب ﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة قَرِيبٌ﴾ أي وما ينبئك أيها المخاطب لعلَّ وقت الساعة قري؟ فإن الواجب على


الصفحة التالية
Icon