الفصل} القضاء السابق ﴿يَقْتَرِفْ﴾ يكتسب ﴿رَوْضَاتِ﴾ جمع روضة وهو الموضع الكثير الأزهار والأشجار والثمار كالمنتزه وغيره ﴿يَقْتَرِفْ﴾ يكتسب ﴿الغيث﴾ المطر سمي غيثاً لأنه الخلق ﴿قَنَطُواْ﴾ يئسوا ﴿بَثَّ﴾ فرَّق ونشر ﴿بِمُعْجِزِينَ﴾ فائتين من عذاب الله بالهرب.
التفسِير: ﴿الله لَطِيفٌ بِعِبَادِهِ﴾ أي بارٌّ رحيم بالخلق كثير الإِحسان بهم، يفيض عليهم من الخيرات والبركات مع عصيانهم قال مقاتل: لطيف بالبر والفاجر حيث لم يهلكهم جوعاً بمعاصيهم ﴿يَرْزُقُ مَن يَشَآءُ﴾ أي يوسِّع الرزق على من يشاء قال القرطبي: وفي تفضيل قومٍ بالمال حكمه، ليحتاج البعضُ إلى البعض، وهذا من لطفه بالعباد، وأيضاً ليتمحن الغنيَّ بالفير، والفقير بالغني كقوله تعالى ﴿وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ﴾ [الفرقان: ٢٠] ؟ ﴿وَهُوَ القوي﴾ أي القادر على كل ما يشاء ﴿العزيز﴾ أي الغالبُ الذي لا يُغالب ولا يُدافع ثم لما بيَّن كونه لطيفاً بالعباد، كثير الإِحسان إليهم، أشار إلى أن الإِنسان ما دام في هذه الحياة فعلية أن يسعى في طلب الخيرات لأسباب السعادة فقال ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ﴾ أي من كان يريد بعمله ثواب الآخرة ونعيمها، نزدْ له في أجره وثوابه، بمضاعفة حسناته ﴿وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدنيا نُؤْتِهِ مِنْهَا﴾ أي ومن كان يريد بعمله متاع الدنيا ونعيمها فقط، نعطه بعض ما يطلبه من المتاع العاجل ممَّا قُدر له ﴿وَمَا لَهُ فِي الآخرة مِن نَّصِيبٍ﴾ أي وليس له في الآخرة حظٌ من الثواب والنعيم قال الزمخشري: سمَّى ما يعمله العامل مما يبتغي به الفائدة حرثاً على سبيل المجاز، وفرَّق بينهما بأن عمل للآخرة ضوعفت حسناته، ومن عمل للدنيا أُعطي شيئاً منها لا ما يريده ويبتغيه وقال افي التسهيل: حرثُ الآخرة عبارة عن العمل لها، وكذلك حرث الدنيا، وهو مستعارٌ من حرث الأرض، لأن الحرَّاث يعمل وينتظر المنفعة بما عمل، ثم أخذ ينكر على الكفار عبادتهم لغير الله، مع أنه الخالق المتفضل على العباد فقال ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُواْ لَهُمْ مِّنَ الدين مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ الله﴾ ؟ الاستفهام للتقريع والتوبيخ أي ألهؤلاء الكفار شركاء من الشياطين أو آهلة من الأوثان، شرعوا لهم الشرك والعصيان الذي لم يأمر به الله؟ قال شيخ زاده: وإسنادٌ الشرع إلى الأوثان، وهي جمادات إسنادُ مجازي، ومن إسناد الفعل إلى السبب، وسمَّاه ديناً للماشكلة والتهكم ﴿وَلَوْلاَ كَلِمَةُ الفصل لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ أي لولا أنَّ الله حكم وقضى في سابق أزله أن الثواب والعقاب يكونان يوم القيامة لحكم بين الكفار والمؤمنين، بتعجيل العقوبة للظالم، وإِثابة المؤمن ﴿وَإِنَّ الظالمين لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ وإِن الكافرين الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعصيان لهم غذابٌ مرجع مؤملم ﴿تَرَى الظالمين مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُواْ﴾ أي ترى أيها المخاطب الكفارين يوم القيامة خائفين خوفاً شديداً من جزاء السيئات التي ارتكبوها في الدنيا ﴿وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ﴾ أي والجزاء عليها نازلٌ بهم يوم القيامة لا محالة، سواءً خافوا أو لم يخافوا ﴿والذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات فِي رَوْضَاتِ الجنات﴾ أي والمؤمنون الصالحون في


الصفحة التالية
Icon