الأصل هو الظلام والنور عارض، فإذا غربت الشمس ينسلخ النهار من الليل ويكشف ويزول فيظهر الأصل وهو الظلمة ﴿والشمس تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ أي وآيةً أخرى لهم الشمس تسير بقدرة الله في فَلك لا تتجاوزه ولا تتخطاه لزمنٍ تستقر فيه، ولوقت تنتهي إليه وهو يوم القيامة حيث ينقطع جريانها عند خراب العالم قال ابن كثير: وفي قوله تعالى ﴿لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا﴾ قولان: أحدهما: أن المراد مستقرها المكاني وهو تحت العرش مما يلي الأرض لحديث البخاري أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «يا أبا ذرٍ أتدري أين تغرب الشمس؟ قلت: اللهُ ورسوله أعلم، قال: فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش..» الحديث. والثاني: أن المراد بمستقرها هو منتهى سيرها وهو يوم القيامة، حيث يبطل سيرها، وتسكن حركتها، وتُكور وينتهي هذا العالم إلى غايته، وقرىء (لا مستقر لها) أي لا قرار لها ولا سكون، بل هي سائرة ليلاً ونهاراً، لا تفتر ولا تقف ﴿ذَلِكَ تَقْدِيرُ العزيز العليم﴾ أي ذلك الجري والدوران بانتظام وبحساب دقيق هو تقدير الإله العزيز في ملكه، العليم بخلقه ﴿والقمر قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ﴾ أي والقمرَ قدرنا مسيره في منازل يسير فيها لمعرفة الشهور، وهي ثمانية وعشرون منزلاً في ثمانية وعشرين ليلة، ينزل كل ليلةٍ في واحد منها لا يتخطاها ولا يتعادها، فإذا كان في آخر ليلة دقَّ واستقوس ﴿حتى عَادَ كالعرجون القديم﴾ أي حتى صار كغصن النخل اليابس، وهو عنقود التمر حين يجف ويصفر ويتقوس قال ابن كثير: جعل الله القمر لمعرفة الشهور، كما جعل الشمس لمعرفة الليل والنهار، وفاوت بين سير الشمس وسير القمر، فالشمس تطلع كل يوم وتغرب آخره، وتنتقل في مطالعها ومغاربها صيفاً وشتاءْ، يطول بسبب ذلك النهار ويقصر الليل، ثم يطول الليل ويقصر النهار، وهي كوكبٍ نهاري، وأما القمر فقدَّره منازل يطلع في أول ليلةٍ من الشهر ضئيلاً قليل النور، ثم يزداد نوراً في الليلة الثانية ويرتفع منزلة، ثم كلما ارتفع ازداد ضياؤه حتى يتكامل نوره في الليلة الرابعة عشرة، ثم يشرع في النقص إلى آخر الشهر حتى يصير كالعرجون القديم قال مجاهد: أي العذق اليابس وهو عنقود الرطب إذا عتق ويبس وانحنى، ثم يبدأ جديداً في أول الشهر الآخر ﴿لاَ الشمس يَنبَغِي لَهَآ أَن تدْرِكَ القمر﴾ أي لا يمكن للشمس ولا يصح لها أن تجتمع مع القمر بالليل فتمحو نوره، لأن ذلك يُخلُّ بتلوين النبات، ومصلحة العباد قال الطبري: أي لا الشمس يصلح لها إدراك القمر، فيُذهب ضوءها نوره فتكون الأوقات كلها نهاراً لا ليل فيها ﴿وَلاَ اليل سَابِقُ النهار﴾ أي