ويتكبرون في الأرض تجبراً وفساداً بالمعاصي والاعتداء على الناس في النفوس والأموال ﴿أولئك لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ أي أولئك الظالمون الباغون لهم عذاب مؤلم موجع بسبب ظلمهم وبغيهم ﴿وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأمور﴾ أي ولمن صبر على الأذى، وترك الانتصار لوجه الله تعالى، فإِن ذلك الصبر والتجاوز من الأمور الحميدة التي امر الله بها وأكد عليها قال الصاوي: كرَّر الصبر اهتماماً به وترغيباً فيه وللإِشارة إلى أنه محمد العاقبة ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن وَلِيٍّ مِّن بَعْدِهِ﴾ أي ومن يضلله اللهُ فلس له ناصر ولا هادٍ يهديه إلى الحق ﴿وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب﴾ أي وترى الكافرين حين شاهدوا عذاب جهنم ﴿يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ﴾ أي يطلبون الرجوع إلى الدنيا لهول ما يشاهدون من العذاب ويقولون: هل هناك طريق لعودتنا إلى الدنيا؟ قال القرطبي: يطلبون أن يُردُّوا إلى الدنيا ليعملوا بطاعة الله عَزَّ وَجَلَّ فلا يجابون ﴿وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا﴾ أي وتراهم أيها المخاطب يُعرضون على النار ﴿خَاشِعِينَ مِنَ الذل﴾ أي متضائلين صاغرين مما يلحقهم من الذل والهوان ﴿يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ﴾ أي يسارقون النظر خوفاً منها وفزعاً كما ينظر من قُدِّم ليقتل بالسيف، فإِنه لا يقدر أن ينظر إليه بملء عينه قال ابن عباس: ينظرون بطرفٍ ذابلٍ ذليل وقال قتادة والسدي: يُسارقون النظر من شدة الخوف ﴿وَقَالَ الذين آمنوا إِنَّ الخاسرين الذين خسروا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ القيامة﴾ أي يقول المؤمنون في الجنة لما عاينوا ما حلَّ بالكفار: إن الخسران في الحقيقة ما صار إليه هؤلاء، فإِنهم خسروا أنفسهم وأهليهم بخلودهم في نار جهنم ﴿أَلاَ إِنَّ الظالمين فِي عَذَابٍ مُّقِيمٍ﴾ أي ألا إنهم في عذاب دائمٍ لا ينقطع ﴿وَمَا كَانَ لَهُم مِّنْ أَوْلِيَآءَ يَنصُرُونَهُم مِّن دُونِ الله﴾ أي وما كان لهم من أعوان ونصراء ينصرونهم من عذاب الله كما كانوا يرجون ذلك في الدنيا ﴿وَمَن يُضْلِلِ الله فَمَا لَهُ مِن سَبِيلٍ﴾ ومن يضلله اللهُ فليس له طريق يصل به إلى الحق في الدنيا، وإِلى الجنة في الآخرة، لأنه قد سُدَّت عليه طريق النجاة قال ابن كثير: من يضلله الله فليس له خلاص ﴿استجيبوا لِرَبِّكُمْ﴾ أي استجيبوا أيها الناسُ إلى ما دعاكم غليه ربكم من الإِيمان والطاعة ﴿مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ الله﴾ أي من قبل أن يأتي ذلك اليوم الرهيب الذي لا يقدر أحدٌ على ردِّه، لأنه ليس له دافع ولا مانع ﴿مَا لَكُمْ مِّن مَّلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ﴾ أي ليس لكم مفر تلتجئون إليه ﴿وَمَا لَكُمْ مِّن نَّكِيرٍ﴾ أي وليس لكم مكِرٌ يثنكِر ما ينزل بكم من العذاب وقال أبو السعود: أي ما لكم إنكار لما اقترفتموه لأنه مدوَّن في صحائف أعمالهكم وتشهد عليه جوارحكم ﴿فَإِنْ أَعْرَضُواْ﴾ أي فإِن أعرض المشركون عن الإِيمان ولم يقبلوا هداية الرحمن ﴿فَمَآ أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً﴾ أي فما أرسلناك يا محمداً رقيباً على أعمالهم ولا محاسباً لهم ﴿إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ البلاغ﴾ أي ما عليك إلاَّ أن تبلغهم رسالة ربك وقد فعلت قال أبو حيان: والآية تسلية للرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وتأنيسٌ له، وإِزالةٌ لهمِّه، ثم أخبر تعالى أن طبيعة الإِنسان الكفران لنعم الله فقال {وَإِنَّآ إِذَآ أَذَقْنَا الإنسان مِنَّا رَحْمَةً فَرِحَ


الصفحة التالية
Icon