يقع الإِلهام لغير الأنبياء كالأولياء، غير أن إلهام الأولياء قد يختلط به الشيطان لأنهم غير معصومين، بخلاف الأنبياء فإلهامهم محفوظ منه ﴿إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ﴾ أي إنه تعالى متعالٍ عن صفات المخلوقين، حكيم في أفعاله وصنعه، تجري أفعاله على موجب الحكمة ﴿وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا﴾ أي وكما أوحينا إلى غيرك من الرسل أوحينا إليك يا محمد هذا القرآن، وسمَّاه روحاً لأن فيه حياة النفوس من موت الجهل، وكان مالك بن دينار يقول: يا أهل القرآن ماذا زرع القرآن في قلوبكم؟ فإن القرآن ربيع القلوب كما أن الغيب ربيع الأرض ﴿مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الكتاب وَلاَ الإيمان﴾ أي ما كنت يا محمد تعرف قبل الوحي ما هو القرآن، ولا كنت تعرض شرائع الإِيمان ومعالمه على وجه التفصيل ﴿ولكن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَآءُ مِنْ عِبَادِنَا﴾ أي ولكن جعلنا هذا القرآن نوراً وضياءً نهدي به عبادنا المتقين ﴿وَإِنَّكَ لتهدي إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ﴾ أي وإنك يا محمد لترشد إلى دين قيمٍ مستقيم هو الإِسلام ﴿صِرَاطِ الله الذي لَهُ مَا فِي السماوات وَمَا فِي الأرض﴾ أي هذا الدين الذي لا اعوجاج فيه هو دينُ الله الذي له كل ما في الكون ملكاً وخلقاً وعبيداً ﴿أَلاَ إِلَى الله تَصِيرُ الأمور﴾ أي ألا إلى الله وحده ترجع الأمور فيفصل فيها بين العباد بحكمه العادل وقضائه المبرم.
البَلاَغَة: تصمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان نوجزها فيما يلي:
١ - المجاز المرسل ﴿لِّتُنذِرَ أُمَّ القرى﴾ [الشورى: ٧] أي لتنذر أهل مكة لأن الإِنذار لأهل القرية لا لها.
وفي الآية احتباك حيث حذف من كل نظير ما أثبته في الآخر وتقديره: لتنذر أم القرى العذاب، وتنذر الناس يوم الجمع.
٢ - توالي المؤكدات مع صيغة المبالغة ﴿أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الغفور الرحيم﴾ [الشورى: ٥] وهي ألا، وإن، وضمير الفصل.
٣ - الطباق بين ﴿الجنة.. والسعير﴾ وبين ﴿يَبْسُطُ.. ويَقْدِرُ﴾ وبين ﴿ذُكْرَاناً.. وَإِنَاثاً﴾.
٤ - طباق السلب ﴿يَسْتَعْجِلُ بِهَا الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بِهَا والذين آمَنُواْ مُشْفِقُونَ مِنْهَا﴾ [الشورى: ١٨].
٥ - الاستعارة ﴿مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخرة﴾ [الشورى: ٢٠] الآية شبه العمل للآخرة بالزارع يزرع الزرع ليجني منه الثمرة والحب، بطريق الاستعارة التمثيلية وهي من لطائف الاستعارة.
٦ - المقابلة ﴿وَيَمْحُ الله الباطل وَيُحِقُّ الحق بِكَلِمَاتِهِ﴾ [الشورى: ٢٤].
٧ - عطف العام على الخاص ﴿يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾ [الشورى: ٢٨] فالغيث خاص والرحمة عام.
٨ - التشبيه المرسل المجمل ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الجوار فِي البحر كالأعلام﴾ أي كالجبال في الضخامة والعظم.
٩ - التقسيم ﴿يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثاً وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذكور أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَاناً وَإِنَاثاً﴾.
١٠ -


الصفحة التالية
Icon