جهلاً منهم وسفهاً.
. ثم بيَّن تعالى لهم صفاته الجليلة، الدالة على كمال القدرة والحكمة فقال ﴿الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض مَهْداً﴾ أي بسط الأرض وجعلها كالفراش لكم، تستقرون عليها وتقومون وتنامون ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً﴾ أي وجعل لكم فيها طُرُقاً تسلكونها في أسفاركم ﴿لَّعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ﴾ أي لكي تهتدوا إلى قدرة الخالق الحكيم، مودع هذا النظام العجيب ﴿والذي نَزَّلَ مِنَ السمآء مَآءً بِقَدَرٍ﴾ أي نزَّل بقدرته الماء من السماء بمقدارٍ ووزنٍ معلوم، بحسب الحاجة والكفاية قال القرطبي: أي بمقدار ينفع ولا يضر ﴿فَأَنشَرْنَا بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً﴾ أي فأحيينا به أرضاً ميتةً مقفرةً من النبات ﴿كَذَلِكَ تُخْرَجُونَ﴾ أي كذلك نخرجكم من قبوركم كما نُخرج النبات من الأرض الميتة ﴿والذي خَلَقَ الأزواج كُلَّهَا﴾ أي خلق جميع الأصناف من الحيوان والنبات وغير ذلك قال ابن عباس: «الأزواج» الأصناف والأنواع كلها كالحلو والحامض، والأبيض والأسود، والذكر والأنثى ﴿وَجَعَلَ لَكُمْ مِّنَ الفلك والأنعام مَا تَرْكَبُونَ﴾ أي وسخَّر لكم من السفن في البحر، والإِبل في البر ما تركبونه في أسفاركم قال ابن كثير أي ذلَّلها وسخَّرها ويسَّرها لكم، لتأكلوا لحومها وتركبوا ظهورها ﴿لِتَسْتَوُواْ على ظُهُورِهِ﴾ أي لتستقروا على ظهور هذا المركوب، سفينةً كانت أو جملاً ﴿ثُمَّ تَذْكُرُواْ نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا استويتم عَلَيْهِ﴾ أي وتتذكروا نعمة ربكم الجليلة عليكم حين تستقرون فوقها فتشكروه بقلوبكم ﴿وَتَقُولُواْ سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا﴾ أي وتقولوا بألستنكم عند ركوبكم: سبحان الله الذي ذلَّل ويسَّر لنا ركوب هذا المركوب ﴿وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾ أو وما كنا قادرين ولا مطيقين لركوبه لولا تسخيره تعالى لنا ﴿وَإِنَّآ إلى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ﴾ أي وإِنا إلى ربنا لراجعنن، وصائرون إليه بعد الموت قال في حاشية البيضاوي: وليس المراد من ذكر النعمة تصورها وإِخطارها في البال، بل المراد تذكر أنها نعمة حاصلةٌ بتدبير القادر العليم الحكيم، مستدعية لطاعته وشكره، فإن من تفكر في أنَّ ما يركبه الإِنسان من الفُلكْ والأنعام، أكثرة قوة وأكبر جثة من راكبه، ومع ذلك كان مسخراً لراكبه يتمكن من تصريفه إلى أيّ جانب شاء، وتفكر أيضاً في خلق البحر والريح وفي كونهما مسخرين للإِنسان مع ما فيهما من المهابة والأهوال، استغرق في معرفة عظمة الله تعالى وكبريائه، وكما قدرته وحكمته، فيحمله ذلك الاستغراق على أن يقول متعجباً من عظمة الله ﴿سُبْحَانَ الذي سَخَّرَ لَنَا هذا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ﴾.
. ولما ذكر تعالى اعتراف المشركين بأن خالق السموات والأرض هو رب العالمين، ذكر بعده ما يدل على سفههم وجهلهم في عبادة غير الله فقال ﴿وَجَعَلُواْ لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءًا﴾ أي جعل المشركون لله ولداً حيث قالوا: الملائكةُ بنات الله ﴿إِنَّ الإنسان لَكَفُورٌ مُّبِينٌ﴾ أي إن القائل لهذا المبالغُ في الكفر، عظيم الجحود والطغيان قال البيضاوي: أي ظاهر الكفران لأنه نسبة الولد إليه تعالى من فرط الجهل به والتحقير لشأنه ﴿أَمِ اتخذ مِمَّا يَخْلُقُ بَنَاتٍ وَأَصْفَاكُم بالبنين﴾ إِنكارُ وتعجبُ من حالهم أي هل اتخذ تعالى لنفسه البنات، وخصَّكم واختار لكم البنين؟ قال ابن كثير: وهذا إنكار


الصفحة التالية
Icon