كذبهم الله بقوله ﴿مَّا لَهُم بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ إي ما لهم بذلك القول ولا برهان ﴿إِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ﴾ أي ما هم إلا يكذبون ويتقوَّلون على الله كذباً وزوراً ﴿أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَاباً مِّن قَبْلِهِ فَهُم بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ﴾ ردٌّ آخر عليهم أي أم أنزلنا على هؤلاء المشركين كتاباً من قبل القرآن فهم بذلك الكتاب متمسكون يعملون بتوجيهاته؟ قال الإِمام الفخر: والمعنى: هل وجدوا ذلك الباطل في كتاب منزَّل قبل القرآن حتى يعوِّلوا عليه ويتمسكوا به ﴿بَلْ قالوا إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ﴾ بل للإِضراب وهو الانتقال من كلام إلى آخر أي لم يأتوا بحجةٍ عقلية أو نقلية على ما زعموا بل اعترفوا بأنه لا مستند لهم سوى تقليد آبائهم الجهَلة قال أبو السعود: والأُمةُ: الدينُ والطريقةُ سميت أمةً لأنها تؤم وتقصد ﴿وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّهْتَدُونَ﴾ أي ونحن ماشون على طريقتهم مهتدون بآثارهم ﴿وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ﴾ أي وكما تبع هؤلاء الكفار آباءهم بغير حجة ولا برهان كذلك فعل من قبله من المذكبين، فما بعثنا قبلك رسولاً في أمةٍ من الأمم ﴿إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ آبَآءَنَا على أُمَّةٍ وَإِنَّا على آثَارِهِم مُّقْتَدُونَ﴾ أي إلا قال المتنعمون فيها الذي أبطرتهم النعمة، وأعمتهم الشواتُ والملاهي عن تحمل المشاق في طلب الحق: إنا وجدنا أسلافنا على ملةٍ ودين، وإِنا مقتدون بهم في طريقتهم قال البيضاوي: والآية تسليةٌ لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ودلالةٌ على أن التقليد في نحو هذا ضلالٌ قديم، وأسلافُهم لم يكن سندٌ منظور يُعتَدُّ به، وإِنما خصَّص المترفين بالذكر للإِشعار بأن التنعم وحبَّ البطالة صرفهم عن النظر إلى التقليد الأعمى، وذكر هنا ﴿مُّقْتَدُونَ﴾ وهناك ﴿مُّهْتَدُونَ﴾ تفنناً لأن معناهما واحد ﴿قال أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بأهدى مِمَّا وَجَدتُّمْ عَلَيْهِ آبَآءَكُمْ﴾ ؟ أي قال كل نبيٍّ لقومه حين أنذرهم عذاب الله: أتقتدون بآبائكم ولو جئتكم بدينٍ أهدى وأرشد مما كانوا عليه؟ ﴿قالوا إِنَّا بِمَآ أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ﴾ أي قالوا إنا كافرون بكل ما أُرسلتم به من التوحيد والإِيمان والبعث والنشور ﴿فانتقمنا مِنْهُمْ فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المكذبين﴾ أي فانتقمنا من الأمم المكذبة بأنواع العذاب فانظر كيف صار حالهم ومآلهم!!